وأن هؤلاء النفر كانوا من جن (نصيبين) وفي بعض الآثار من جن (بصرى) وأنهم مروا برسول الله ﷺ وهو قائم يصلى بأصحابه ببطن نخلة من أرض مكة فوقفوا فاستمعوا لقراءته. ثم اجتمع بهم النبي ﷺ ليلة كاملة فسألوه عن أشياء أمرهم بها ونهاهم عنها وسألوه الزاد فقال لهم (كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما وكل روثة علف لدوابكم) ونهى النبي ﷺ أن يستنجى بهما وقال (إنهما زاد إخوانكم) الجن.
ونهى عن البول في السرب لأنها مساكن الجن. وقرأ عليهم رسول الله ﷺ سورة الرحمن فما جعل يمر فيها بآية ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ الا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد.
وقد أثنى عليهم النبي ﷺ في ذلك لما قرأ هذه السورة على الناس فسكتوا. فقال (الجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم فبأي آلاء ربكما تكذبان الا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد). رواه الترمذي عن جبير وابن جرير والبزار عن ابن عمر * وقد اختلف في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة أو يكون جزاء طائعهم ان لا يعذب بالنار فقط. على قولين الصحيح أنهم يدخلون الجنة لعموم القرآن * ولعموم قوله تعالى ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾.
﴿* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ فامتن تعالى عليهم بذلك فلولا أنهم ينالونه لما ذكره وعده عليهم من النعم * وهذا وحده دليل مستقل كاف في المسألة وحده والله أعلم *
وقال البخاري حدثنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدريّ قال له (إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء الا شهد له يوم القيامة) * قال أبو سعيد سمعته من رسول الله ﷺ * انفرد به البخاري دون مسلم * وأما كافر والجن فمنهم الشياطين ومقدمهم الأكبر إبليس عدو آدم أبى البشر وقد سلطه هو وذريته على آدم وذريته. وتكفل الله ﷿ بعصمة من آمن به وصدق رسله واتبع شرعه منهم.
كما قال ﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها﴾