قُلْتُ: كَانَ آخِرَ مُلُوكِهِمْ- الَّذِي سُلِبَ مِنْهُ الْمُلْكُ يَزْدَجِرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ أَبْرَوِيزَ بْنِ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوانَ وَهُوَ الَّذِي انْشَقَّ الْإِيوَانُ فِي زَمَانِهِ. وَكَانَ لِأَسْلَافِهِ فِي الْمُلْكِ ثَلَاثَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَمِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَكَانَ أول ملوكهم خيومرث بْنُ أَمِيمَ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نوح [١] .
أَمَّا سَطِيحٌ هَذَا فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مسعود بن مازن بن ذئب ابن عَدِيِّ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِ. وَيُقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُمُّهُ رَدْعَا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَجُورِيِّ وَذُكِرَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ. قَالَ وَكَانَ يَسْكُنُ الْجَابِيَةَ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الْمَشْيَخَةَ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكَانَ مِنْ بَعْدِ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ. وُلِدَ فِي زَمَنِ سَيْلِ الْعَرِمِ وَعَاشَ إِلَى مُلْكِ ذِي نُوَاسٍ وَذَلِكَ نَحْوٌ مَنْ ثَلَاثِينَ قَرْنًا وَكَانَ مَسْكَنُهُ الْبَحْرَيْنِ وَزَعَمَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَتَزْعُمُ الْأَزْدُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ هُوَ مِنَ الْأَزْدِ وَلَا نَدْرِي مِمَّنْ هُوَ غَيْرَ أَنَّ وَلَدَهُ يَقُولُونَ إِنَّهُ مِنَ الْأَزْدِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يُشْبِهُ سَطِيحًا إِنَّمَا كَانَ لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ لَيْسَ فِيهِ عَظْمٌ وَلَا عَصَبٌ إِلَّا فِي رَأْسِهِ وَعَيْنَيْهِ وَكَفَّيْهِ وَكَانَ يُطْوَى كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ مِنْ رِجْلَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ. وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَتَحَرَّكُ إِلَّا لِسَانُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّهُ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْتَفَخَ وَجَلَسَ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَتَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ مِنْهُمْ عَبْدُ شَمْسٍ وَعَبْدُ مَنَافٍ أَبْنَاءُ قُصَيٍّ فَامْتَحَنُوهُ فِي أَشْيَاءَ فَأَجَابَهُمْ فِيهَا بِالصِّدْقِ، فَسَأَلُوهُ عَمَّا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. فَقَالَ خُذُوا مِنِّي وَمِنْ إِلْهَامِ اللَّهِ إِيَّايَ: أَنْتُمُ الْآنَ يَا معشر العرب في زمان الهرم سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشو من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم فيكسرون الصنم، ويتبعون الردم، ويقتلون العجم، يطلبون الْغَنَمْ. ثُمَّ قَالَ وَالْبَاقِي الْأَبَدْ، وَالْبَالِغُ الْأَمَدْ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ذَا الْبَلَدْ، نَبِيٌّ مُهْتَدْ، يَهْدِي إِلَى الرَّشَدْ، يَرْفُضُ يَغُوثَ وَالْفَنَدْ، يَبْرَأُ عَنْ عِبَادَةِ الضِّدَدْ، يَعْبُدُ رَبًّا انْفَرَدْ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَحْمُودًا، مِنَ الْأَرْضِ مَفْقُودًا، وَفِي السَّمَاءِ مَشْهُودًا، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الصِّدِّيقْ إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خَرِقٌ وَلَا نَزِقْ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الْحَنِيفْ، مُجَرِّبٌ غِطْرِيفْ، قَدْ أَضَافَ الْمُضِيفْ، وَأَحْكَمَ التَّحْنِيفْ. ثُمَّ ذَكَرَ عُثْمَانَ وَمَقْتَلَهُ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ بَنِي الْعَبَّاسِ. وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ سَاقَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِطُولِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ لِرَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَلِكِ الْيَمَنِ حِينَ أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَاهُ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهَا ثُمَّ مَا يَكُونُ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ مِنَ الْفِتَنِ وَتَغْيِيرِ الدُّوَلِ حَتَّى يَعُودَ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ فَقَالَ لَهُ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ بَلْ يَنْقَطِعُ. قَالَ وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ نَبِيٌّ زَكِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ قَالَ وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ قَالَ وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ نَعَمْ، يَوْمَ يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ. قَالَ أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟
[١] من هنا إلى قوله وقال أبو نعيم في صفحة ٢٧٢ مكتوب بحاشية الحلبية لم يرد في المصرية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute