قال يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى عن عبد الله بن موسى بن طلحة أخبرنى عقيل بن أبى طالب. قال جاءت قريش الى أبى طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا. فقال يا عقيل انطلق فأتنى بمحمد، فانطلقت اليه فاستخرجته من كنس - أو قال خنس - يقول بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فلما أتاهم قال إن بنى عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم فحلق رسول الله ﷺ ببصره إلى السماء. فقال:«ترون هذه الشمس؟» قالوا نعم! قال:
«فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منه بشعلة». فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخى قط فارجعوا. رواه البخاري في التاريخ عن محمد بن العلاء عن يونس بن بكير. ورواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن احمد بن عبد الجبار عنه به - وهذا لفظه -. ثم
روى البيهقي من طريق يونس عن ابن إسحاق حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث. أن قريشا حين قالت لأبى طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله ﷺ. فقال له: يا ابن أخى إن قومك قد جاءوني وقالوا كذا وكذا، فابق عليّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت. فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك. فظن رسول الله ﷺ أن قد بدا لعمه فيه، وانه خاذله ومسلمه، وضعف عن القيام معه. فقال رسول الله ﷺ:«يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يسارى ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه» ثم استعبر رسول الله ﷺ فبكى، فلما ولى قال له حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله ﷺ: يا ابن أخى فاقبل عليه، فقال أمض على أمرك وافعل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا. قال ابن إسحاق ثم قال أبو طالب في ذلك:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم … حتى أوسد في التراب دفينا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي … فلقد صدقت وكنت قدم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه … من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة … لوجدتني سمحا بذاك مبينا
ثم قال البيهقي وذكر ابن إسحاق لأبى طالب في ذلك أشعارا، وفي ذلك دلالة على أنّ الله تعالى عصمه بعمه مع خلافه إياه في دينه، وقد كان يعصمه حيث لا يكون عمه بما شاء لا معقب لحكمه.
وقال يونس بن بكير: حدثني محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل مصر قديما منذ بضعا وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس في قصة طويلة جرت بين مشركي مكة وبين رسول الله ﷺ فلما قام رسول الله قال أبو جهل بن هشام: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا،