قال الامام احمد حدثنا عثمان بن محمد حدثنا جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال: سأل أهل مكة رسول الله ﷺ أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحى عنهم الجبال فيزدرعوا، فقيل له إن شئت أن تستأنى بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الّذي سألوا فان كفروا هلكوا كما أهلكت من قبلهم الأمم. قال:«لا بل أستأني بهم» فانزل الله تعالى ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها﴾ الآية. وهكذا رواه النسائي من حديث جرير.
وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران بن حكيم عن ابن عباس. قال قالت قريش للنّبيّ ﷺ: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك، وقال وتفعلوا؟ قالوا نعم قال فدعا فأتاه جبريل فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبا. فمن كفر منهم بعد ذلك أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة، قال:«بل التوبة والرحمة». وهذان اسنادان جيدان، وقد جاء مرسلا عن جماعة من التابعين منهم سعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغير واحد.
وروى الامام احمد والترمذي من حديث عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عن (١) أبى أمامة عن النبي ﷺ قال: «عرض على ربى ﷿ أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت لا يا رب أشبع يوما وأجوع يوما - أو نحو ذلك - فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» لفظ احمد. وقال الترمذي هذا حديث حسن، وعلى بن يزيد يضعف في الحديث.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني شيخ من أهل مصر - قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة - عن عكرمة عن ابن عباس. قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهما سلوهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله ﷺ ووصفا لهم أمره وبعض قوله، وقالا إنكم أهل التوراة وقد جئنا كم لتخبرونا عن صاحبنا هذا.
قال فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فان أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فهو رجل مقتول فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف طاف مشارق الأرض ومغاربها ما كان [نبؤه]، وسلوه عن الروح ما هي؟ فان أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبر كم فإنه رجل متقول فاصنعوا في
(١) في الأصلين: القاسم بن أبى أمامة، وإنما هو القاسم بن عبد الرحمن مولى بنى أمية الدمشقيّ ولم يرو عن أحد من الصحابة إلا عن أبى أمامة. كما في الخلاصة.