للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال رسول الله لأبى جهل: «يا أبا الحكم، هلم إلى الله والى رسوله، أدعوك إلى الله». فقال أبو جهل: يا محمد، هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت؟ فو الله لو أنى أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك. فانصرف رسول الله .

وأقبل عليّ فقال: والله انى لأعلم أن ما يقول حق، ولكن [يمنعني] شيء. إن بنى قصي قالوا: فينا الحجابة. فقلنا نعم، ثم قالوا فينا السقاية، فقلنا نعم، ثم قالوا فينا الندوة، فقلنا نعم. ثم قالوا فينا اللواء، فقلنا نعم. ثم أطعموا وأطعمنا. حتى إذا تحاكّت الركب قالوا منا نبي، والله لا أفعل.

وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا محمد ابن خالد حدثنا احمد بن خلف حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق. قال: مر النبي على أبى جهل وأبى سفيان، وهما جالسان. فقال أبو جهل: هذا نبيكم يا بنى عبد شمس. قال أبو سفيان: وتعجب أن يكون منا نبي فالنبي يكون فيمن أقل منا وأذل. فقال أبو جهل: أعجب أن يخرج غلام من بين شيوخ نبيا، ورسول الله يسمع. فأتاهما فقال: «أما أنت يا أبا سفيان، فما لله ورسوله غضبت ولكنك حميت للأصل. وأما أنت يا أبا الحكم، فو الله لتضحكن قليلا ولتبكين كثيرا» فقال:

بئسما تعدني يا ابن أخى من نبوتك. هذا مرسل من هذا الوجه وفيه غرابة.

وقول أبى جهل - لعنه الله - كما قال الله تعالى مخبرا عنه وعن أضرابه ﴿وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً، أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً؟ * إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها﴾.

﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾.

وقال الامام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال:

نزلت هذه الآية ورسول الله متوار بمكة ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها﴾ قال: كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به، قال فقال الله تعالى لنبيه محمد ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ﴿وَلا تُخافِتْ بِها﴾ عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك ﴿وَاِبْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً﴾ وهكذا رواه صاحبا الصحيح من حديث أبى بشر جعفر بن أبى حية به.

وقال محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا جهر بالقرآن - وهو يصلى - تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله بعض ما يتلو، وهو يصلى، استرق السمع، دونهم فرقا منهم، فان رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع، فان خفض رسول الله لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئا، فانزل الله تعالى ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ فيتفرقوا عنك ﴿وَلا تُخافِتْ بِها﴾ فلا يسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك، لعله يرعوى إلى بعض ما يسمع، فينتفع به ﴿وَاِبْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>