للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاجة فأدركوه قبل أن يذهب، فخرجوا في طلبه فأدركوه فردوه فعقدوا عليه تاجه وأجلسوه على سريره وملكوه، فقال التاجر: ردوا على مالي كما أخذتم منى غلامي، فقالوا: لا نعطيك. فقال: إذا والله لأكلمنه، فمشى اليه فكلمه فقال أيها الملك انى ابتعت غلاما فقبض منى الّذي باعوه ثمنه، ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا على مالي، فكان أول ما خبر به من صلابة حكمه وعدله ان قال: لتردن عليه ماله، أو لتجعلن يد غلامه في يده فليذهبن به حيث شاء. فقالوا: بل نعطيه ماله فأعطوه إياه، فلذلك يقول: ما أخذ الله منى الرشوة فآخذ الرشوة حين رد على ملكي، وما أطاع الناس فىّ فأطيع الناس فيه.

وقال موسى بن عقبة: كان أبو النجاشي ملك الحبشة، فمات والنجاشي غلام صغير فاوصى الى أخيه أن إليك ملك قومك حتى يبلغ ابني، فإذا بلغ فله الملك فرغب أخوه في الملك فباع النجاشي من بعض التجار فمات عمه من ليلته وقضى، فردت الحبشة النجاشي حتى وضعوا التاج على رأسه هكذا ذكره مختصرا وسياق ابن إسحاق أحسن وابسط فالله أعلم. والّذي وقع في سياق ابن إسحاق انما هو ذكر عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة، والّذي ذكره موسى بن عقبة والأموي وغير واحد أنهما عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة وهو أحد السبعة الذين دعا عليهم رسول الله حين تضاحكوا يوم وضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد عند الكعبة.

وهكذا تقدم في حديث ابن مسعود وأبى موسى الأشعري. والمقصود انهما حين خرجا من مكة كانت زوجة عمرو معه وعمارة كان شابا حسنا فاصطحبا في السفينة وكان عمارة طمع في امرأة عمرو ابن العاص، فألقى عمرا في البحر ليهلكه فسبح حتى رجع اليها. فقال له عمارة: لو أعلم أنك تحسن السباحة لما ألقيتك، فحقد عمرو عليه فلما لم يقض لهما حاجة في المهاجرين من النجاشي، وكان عمارة قد توصل إلى بعض أهل النجاشي فوشى به عمرو فأمر به النجاشي فسحر حتى ذهب عقله وساح في البرية مع الوحوش. - وقد ذكر الأموي - قصة مطولة جدا وأنه عاش إلى زمن إمارة عمر بن الخطاب، وأنه تقصده بعض الصحابة ومسكه فجعل يقول أرسلنى أرسلنى وإلا مت فلما لم يرسله مات من ساعته فالله اعلم. وقد قيل أن قريشا بعثت إلى النجاشي في أمر المهاجرين مرتين الأول مع عمرو بن العاص وعمارة والثانية مع عمرو، وعبد الله بن أبى ربيعة. نص عليه أبو نعيم في الدلائل والله أعلم. وقد قيل: إن البعثة الثانية كانت بعد وقعة بدر قاله الزهري، لينالوا ممن هناك ثأرا فلم يجبهم النجاشي وأرضاه إلى شيء مما سألوا فالله أعلم.

وقد ذكر زياد عن ابن إسحاق: أن أبا طالب لما رأى ذلك من صنيع قريش كتب إلى النجاشي أبياتا يحضه فيها على العدل وعلى الإحسان إلى من نزل عنده من قومه:

<<  <  ج: ص:  >  >>