ابن هشام: ويقال زبرا وهو الجبل بلغتهم. ثم قال النجاشي: فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ الناس فيه. ردوا عليهما هدايا هم فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا. وَاخْرُجَا مِنْ بِلَادِي فَخَرَجَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ. قَالَتْ: فَأَقَمْنَا مَعَ خَيْرِ جَارٍ فِي خَيْرِ دار، فلم نشب أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ في ملكه، فو الله ما علمنا حزنا حزنّا قط هو أَشَدَّ مِنْهُ، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي مَلِكٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعوا اللَّهَ وَنَسْتَنْصِرُهُ لِلنَّجَاشِيِّ فَخَرَجَ إِلَيْهِ سَائِرًا فَقَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم لبعض: من يَخْرُجُ فَيَحْضُرُ الْوَقْعَةَ حَتَّى يَنْظُرَ عَلَى مَنْ تكون؟ وقال الزُّبَيْرُ- وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا- أَنَا، فَنَفَخُوا له قربة فجعلها في صدره، فجعل يَسْبَحُ عَلَيْهَا فِي النِّيلِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ إِلَى حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ، فَحَضَرَ الْوَقْعَةَ فَهَزَمَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَقَتَلَهُ، وَظَهَرَ النجاشي عليه. فجاءنا الزبير فجعل يليح لَنَا بِرِدَائِهِ وَيَقُولُ أَلَا فَأَبْشِرُوا، فَقَدْ أَظْهَرَ الله النجاشي. قلت: فو الله مَا عَلِمْنَا [أَنَّنَا] فَرِحْنَا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَنَا بِظُهُورِ النَّجَاشِيِّ ثُمَّ أَقَمْنَا عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ من خرج منا إِلَى مَكَّةَ، وَأَقَامَ مَنْ أَقَامَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَ عُرْوَةُ: أَتُدْرِي مَا قَوْلُهُ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ؟
فَقُلْتُ لَا! مَا حَدَّثَنِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَ عُرْوَةُ:
فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ لَهُ مَنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَلَمْ يكن لأب النَّجَاشِيِّ وَلَدٌ غَيْرُ النَّجَاشِيِّ فَأَدَارَتِ الْحَبَشَةُ رَأْيَهَا بَيْنَهَا فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ فَإِنَّ لَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ صُلْبِهِ فَتَوَارَثُوا الْمُلْكَ، لَبَقِيَتِ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمْ دَهْرًا طَوِيلًا لَا يَكُونُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، فَعَدَوْا عليه فقتلوه وملكوا أخاه. فدخل النجاشي بعمه حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ فَلَا يُدَبِّرُ أَمْرَهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا مِنَ الرِّجَالِ، فَلَمَّا رَأَتِ الحبشة مكانه من عمه قالوا قد غَلَبَ هَذَا الْغُلَامُ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ فَمَا نَأْمَنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَاهُ، فَلَئِنْ فَعَلَ لَمْ يَدَعْ مِنَّا شَرِيفًا إِلَّا قَتَلَهُ، فَكَلِّمُوهُ فِيهِ فَلْيَقْتُلْهُ أَوْ لَيُخْرِجَنَّهُ مِنْ بِلَادِنَا، فَمَشَوْا إِلَى عَمِّهِ فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا مَكَانَ هَذَا الْفَتَى مِنْكَ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَاهُ وَجَعَلْنَاكَ مَكَانَهُ وَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْنَا فَيَقْتُلَنَا، فَإِمَّا أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِمَّا أَنَّ تُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِنَا. قَالَ: وَيْحَكُمْ قَتَلْتُمْ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ. بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. فَخَرَجُوا بِهِ فَوَقَفُوهُ فِي السُّوقِ وَبَاعُوهُ مِنْ تَاجِرٍ مِنَ التُّجَّارِ قذفه في سفينة بستمائة درهم أو بسبعمائة فَانْطَلَقَ بِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمُّهُ يَتَمَطَّرُ تَحْتَهَا فأصابته صاعقة فقتلته ففزعوا الى ولده فاذاهم مُحْمِقُونَ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ فَمَرَجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُصْلِحُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلَّذِي بِعْتُمُ الْغَدَاةَ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بأمر الحبشة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute