للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ يَزِيدَ بْنَ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ مَرَّةٍ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا وَضَعَ ظَهْرِي إِلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكَ. وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَامَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ.

وَأَمَّا قِصَّةُ دُعَائِهِ الشَّجَرَةَ فَأَقْبَلَتْ فَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بَعْدَ السِّيرَةِ مِنْ طُرُقٍ جَيِّدَةٍ صَحِيحَةٍ فِي مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْأَشَدَّيْنِ [١] أَنَّهُ صَارَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ قُدُومِ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ رَاكِبًا إِلَى مَكَّةَ فَأَسْلَمُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ بَعْدَ قِصَّةِ النَّجَاشِيِّ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جلس في المسجد يجلس إِلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَبَّابٌ، وَعَمَّارٌ، وَأَبُو فكيهة، ويسار مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَصُهَيْبٌ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. هَزِئَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ، أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ وَمَا خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهِ دُونَنَا.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: (وَلَا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وَإِذَا جاءك الذين يؤمنون بئايتنا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إِلَى مَبِيعَةِ غُلَامٍ [٢] نَصْرَانِيٍّ يُقَالُ لَهُ جَبْرٌ، عَبْدٌ لِبَنِي الْحَضْرَمِيِّ وَكَانُوا يَقُولُونَ وَاللَّهِ مَا يُعَلِّمُ محمدا كثيرا مما يأتى به الأجير، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أعجمى وهذا لسان عربي مبين) . ثُمَّ ذَكَرَ نُزُولَ سُورَةِ الْكَوْثَرِ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ حِينَ قَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه أبتر أي لَا عَقِبَ لَهُ فَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ١٠٨: ٣ أَيِ الْمَقْطُوعُ الذِّكْرِ بَعْدَهُ، وَلَوْ خَلَفَ أُلُوفًا مِنَ النَّسْلِ وَالذُّرِّيَّةِ وَلَيْسَ الذِّكْرُ وَالصِّيتُ وَلِسَانُ الصِّدْقِ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَنْسَالِ وَالْعَقِبِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ فِي التَّفْسِيرِ وللَّه الْحَمْدُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حِينَ مات الْقَاسِمُ بْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ وَيَسِيرَ عَلَى النَّجِيبَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ نُزُولَ قَوْلِهِ: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ٦: ٨


[١] اسمه كلدة بن أسيد الجمحيّ. من السهيليّ.
[٢] في الأصلين: بيعة وفي ابن هشام والسهيليّ: مبيعة (وزان مفعلة) وقوله: عبد لبني الحضرميّ الّذي في ابن هشام عبد لابن الحضرميّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>