يعودون اليه إلى يوم القيامة، ثم جاوز مراتبهم كلهم حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، ورفعت لرسول الله ﷺ سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة، ونبقها كقلال هجر، وغشيها عند ذلك أمور عظيمة ألوان متعددة باهرة وركبتها الملائكة مثل الغربان على الشجرة كثرة وفراش من ذهب وغشيها من نور الرب ﷻ ورأى هناك جبريل ﵇ له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين السماء والأرض وهو الّذي يقول الله تعالى ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى﴾ أي ما زاغ يمينا ولا شمالا ولا ارتفع عن المكان الّذي حد له النظر اليه. وهذا هو الثبات العظيم والأدب الكريم وهذه الرؤيا الثانية لجبريل ﵇ على الصفة التي خلقه الله تعالى عليها كما نقله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو ذر وعائشة ﵃ أجمعين. والاولى هي قوله تعالى ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى﴾ وكان ذلك بالأبطح، تدلى جبريل على رسول الله ﷺ سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض حتى كان بينه وبينه قاب قوسين أو أدنى، هذا هو الصحيح في التفسير كما دل عليه كلام أكابر الصحابة المتقدم ذكرهم ﵃. فاما قول شريك عن أنس في حديث الاسراء ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فقد يكون من فهم الراويّ فاقحمه في الحديث والله أعلم. وإن كان محفوظا فليس بتفسير للآية الكريمة بل هو شيء آخر غير ما دلت عليه الآية الكريمة والله أعلم.
وفرض الله ﷾ على عبده محمد ﷺ وعلى أمته الصلوات ليلتئذ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، ثم لم يزل يختلف بين موسى وبين ربه ﷿ حتى وضعها الرب ﷻ وله الحمد والمنة إلى خمس. وقال هي خمس وهي خمسون الحسنة بعشر أمثالها، فحصل له التكليم من الرب عز جل ليلتئذ، وأئمة السنة كالمطبقين على هذا، واختلفوا في الرؤية فقال بعضهم رآه بفؤاده مرتين، قاله ابن عباس وطائفة، وأطلق ابن عباس وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد، وممن أطلق الرؤية أبو هريرة وأحمد بن حنبل ﵄، وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين واختاره ابن جرير وبالغ فيه وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين. وممن نص على الرؤية بعيني رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعري فيما نقله السهيليّ عنه، واختاره الشيخ أبو زكريا النووي في فتاويه. وقالت طائفة لم يقع ذلك لحديث أبى ذر في صحيح مسلم. قلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال:«نوراني أراه» وفي رواية «رأيت نورا». قالوا ولم يكن رؤية الباقي بالعين الفانية ولهذا قال الله تعالى لموسى فيما روى في بعض الكتب الإلهية يا موسى إن لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده والخلاف في هذه المسألة مشهور بين السلف والخلف والله أعلم. ثم هبط رسول الله ﷺ إلى بيت المقدس