المصرية ﵂. وقد استدل بهذا الحديث جماعة من أهل العلم على تفضيل خديجة على عائشة ﵂ وأرضاها، وتكلم آخرون في اسناده وتأوله آخرون على أنها كانت خيرا عشرة وهو محتمل أو ظاهر. وسببه أن عائشة تمت بشبابها وحسنها وجميل عشرتها، وليس مرادها بقولها قد أبدلك الله خيرا منها أنها تزكى نفسها وتفضلها على خديجة، فان هذا أمر مرجعه إلى الله ﷿ كما قال ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اِتَّقى﴾ وقال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ﴾ الآية وهذه مسألة وقع النزاع فيها بين العلماء قديما وحديثا وبجانبها طرقا يقتصر عليها أهل الشيع وغيرهم لا يعدلون بخديجة أحدا من النساء لسلام الرب عليها، وكون ولد النبي ﷺ جميعهم - إلا إبراهيم - منها. وكونه لم يتزوج عليها حتى ماتت إكراما لها، وتقدير إسلامها، وكونها من الصديقات ولها مقام صدق في أول البعثة. وبذلت نفسها ومالها لرسول الله ﷺ وأما أهل السنة فمنهم من يغلوا أيضا ويثبت لكل واحدة منهما من الفضائل ما هو معروف، ولكن تحملهم قوة التسنن على تفضيل عائشة لكونها ابنة الصديق، ولكونها أعلم من خديجة فإنه لم يكن في الأمم مثل عائشة في حفظها وعلمها وفصاحتها وعقلها، ولم يكن الرسول يحب أحدا من نسائه كمحبته إياها ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات وروت بعده عنه ﵇ علما جما كثيرا طيبا مباركا فيه حتى قد ذكر كثير من الناس
الحديث المشهور «خذوا شطر دينكم عن الحميراء» والحق أن كلا منهما لها من الفضائل ما لو نظر الناظر فيه لبهره وحيره، والأحسن التوقف في ذلك إلى الله ﷿. ومن ظهر له دليل يقطع به، أو يغلب على ظنه في هذا الباب فذاك الّذي يجب عليه أن يقول بما عنده من العلم ومن حصل له توقف في هذه المسألة أو في غيرها فالطريق الأقوم والمسلك الأسلم أن يقول الله أعلم.
وقد
روى الامام احمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن على بن أبى طالب ﵁. قال قال رسول الله ﷺ:«خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» أي خير زمانهما.
وروى شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قرة بن اياس ﵁. قال قال رسول الله ﷺ:«كمل من الرجل كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث، مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» رواه ابن مردويه في تفسيره. وهذا اسناد صحيح إني شعبة وبعده. قالوا والقدر المشترك بين الثلاث نسوة، آسية ومريم وخديجة أن كلا منهن كفلت نبيا مرسلا وأحسنت الصحبة في كفالتها وصدقته. فآسية ربت موسى وأحسنت اليه وصدقته حين بعث، ومريم كفلت ولدها أتم كفالة وأعظمها وصدقته حين أرسل. وخديجة رغبت في تزويج رسول الله ﷺ بها وبذلت في ذلك أموالها كما تقدم وصدقته حين نزل عليه الوحي من الله ﷿.