للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاسلام كثير منهم، وكان سراقة أمير بنى مدلج ورئيسهم، فكتب أبو جهل - لعنه الله - اليهم:

بنى مدلج إني أخاف سفيهكم … سراقة مستغو لنصر محمد

عليكم به ألاّ يفرق جمعكم … فيصبح شتى بعد عز وسؤدد

قال فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل في قوله هذا:

أبا حكم والله لو كنت شاهدا … لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بأن محمدا … (١) رسول وبرهان فمن ذا يقاومه

عليك فكف القوم عنه فاننى … أخال لنا يوما ستبدو معاله

بأمر تود النصر فيه فإنهم … وإن جميع الناس طرا مسالمه

[(٢) وذكر هذا الشعر الأموي في مغازيه بسنده عن أبى إسحاق وقد رواه أبو نعيم بسنده من طريق زياد عن ابن إسحاق، وزاد في شعر أبى جهل أبياتا تتضمن كفرا بليغا].

وقال البخاري بسنده إلى ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسى الزبير رسول الله وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا الى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر اليه، فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم الّذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بنى عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله يحيى أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله ، فاقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه. فعرف الناس رسول الله عند ذلك

فلبث رسول الله في بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الّذي أسس على التقوى وصلّى فيه رسول الله ثم ركب راحلته وسار يمشى معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله بالمدينة، وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين. وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة. فقال رسول الله حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل»، ثم دعا رسول الله الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا بل نهبه لك


(١) في المصرية: نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه. وذكر هذه الأبيات السهيليّ وفيها اختلاف عما هنا.
(٢) ما بين المربعين سقط من النسخة الحلبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>