للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال، فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان، وقالت يهود: تفاءل بذلك على رسول الله عمرو بن الحضرميّ قتله واقد بن عبد الله، عمرو عمرت الحرب، والحضرميّ حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم لا لهم، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى على رسوله ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اِسْتَطاعُوا﴾ أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم والفتنة أكبر من القتل أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل، ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين، ولهذا قال الله تعالى ﴿وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اِسْتَطاعُوا﴾ الآية.

قال ابن إسحاق: فلما نزل القرآن بهذا الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، قبض رسول الله العير والأسيرين، وبعثت قريش في فداء عثمان والحكم بن كيسان فقال رسول الله «لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا» - يعنى سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان - فانا نخشا كم عليهما. فان تقتلوهما نقتل صاحبيكم. فقدم سعد وعتبة فافداهما رسول الله فاما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه وأقام عند رسول الله حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا. قال ابن إسحاق: فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر، فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزاة نعطي فيها أجر المجاهدين؟ فانزل الله فيهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فوصفهم (١) الله من ذلك على أعظم الرجاء.

قال ابن إسحاق: والحديث في ذلك عن الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير. وهكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري وكذا روى شعيب عن الزهري عن عروة نحوا من هذا وفيه، وكان ابن الحضرميّ أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين. وقال عبد الملك بن هشام: هو أول قتيل قتله المسلمون، وهذه أول غنيمة غنمها المسلمون، وعثمان والحكم بن كيسان أول من أسره المسلمون.


(١) كذا بالأصلين، وفي ابن هشام: فوضعهم الله من ذلك ولعله الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>