للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل طش من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله يدعو ربه ويقول «اللهمّ إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد» فلما طلع الفجر نادى الصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله وحرض على القتال ثم قال «إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل» فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل منهم على جمل له احمر يسير في القوم، فقال رسول الله «يا على ناد حمزة» وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر، فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال ويقول لهم يا قوم أعصبوها برأسى وقولوا جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أنى لست باجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال: أنت تقول ذلك والله لو غيرك يقوله لأعضضته قد ملأت رئتك جوفك رعبا. فقال: إياي تعير يا مصفر استه؟ سيعلم اليوم أينا الجبان فبرز عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد حمية فقالوا: من يبارز فخرج فتية من الأنصار مشببة فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن نبارز من بنى عمنا من بنى عبد المطلب.

فقال رسول الله «قم يا حمزة، وقم يا علي، وقم يا عبيدة بن الحارث بن المطلب» فقتل الله عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا سبعين وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرا، فقال العباس: يا رسول الله والله إن هذا ما أسرنى لقد أسرنى رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق ما أراه في القوم فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله. فقال: «اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم» قال فاسرنا من بنى عبد المطلب العباس وعقيلا ونوفل بن الحارث هذا سياق حسن وفيه شواهد لما تقدم ولما سيأتي وقد تفرد بطوله الامام احمد. وروى أبو داود بعضه من حديث إسرائيل به، ولما نزل رسول الله من العريش وحرض الناس على القتال والناس على مصافهم صابرين ذاكرين الله كثيرا كما قال الله تعالى آمرا لهم ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاُذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً﴾ الآية.

وقال الأموي حدثنا معاوية بن عمرو عن أبى إسحاق قال قال الأوزاعي: كان يقال قلما ثبت قوم قياما، فمن استطاع عند ذلك أن يجلس أو يغض طرفه ويذكر الله رجوت أن يسلم من الرياء، وقال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم - يعنى أصحاب النبي جثيا على الركب كأنهم حرس يتلمظون كما تتلمظ الحيات - أو قال الأفاعي -.

قال الأموي في مغازيه: وقد كان النبي حين حرض المسلمين على القتال قد نفل كل امرئ ما أصاب. وقال «والّذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل [فيقتل] صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة» وذكر قصة عمير بن الحمام كما تقدم، وقد قاتل بنفسه الكريمة قتالا شديدا ببدنه، وكذلك أبو بكر الصديق كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع، ثم نزلا فحرضا وحثا على القتال وقاتلا بالأبدان جمعا

<<  <  ج: ص:  >  >>