ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبوا الا الانصراف قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه ﷺ. قلت: وهؤلاء القوم هم المرادون بقوله تعالى ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ اِدْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ﴾ يعنى انهم كاذبون في قولهم لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وذلك لأن وقوع القتال أمره ظاهر بين واضح لا خفاء ولا شك فيه وهم الذين أنزل الله فيهم ﴿فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا﴾ الآية وذلك أن طائفة قالت نقاتلهم وقال آخرون لا نقاتلهم كما ثبت وبين في الصحيح.
وذكر الزهري أن الأنصار استأذنوا حينئذ رسول الله ﷺ في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة فقال لا حاجة لنا فيهم. وذكر عروة بن موسى بن عقبة أن بنى سلمة وبنى حارثة لما رجع عبد الله بن أبىّ وأصحابه همتا ان تفشلا فثبتهما الله تعالى، ولهذا قال ﴿إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قال جابر بن عبد الله ما أحب أنها لم تنزل والله يقول ﴿وَاللهُ وَلِيُّهُما﴾ كما ثبت في الصحيحين عنه.
قال ابن إسحاق ومضى رسول الله ﷺ حتى سلك في حرة بنى حارثة فذب فرس بذنبه فأصلب كلاّب سيف فاستله فقال رسول الله ﷺ لصاحب السيف شم سيفك أي أغمده فانى أرى السيوف ستسل اليوم. ثم قال النبي ﷺ لأصحابه: من رجل يخرج بنا على القوم من كثب (أي من قريب) من طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أخو بنى حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بنى حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال لمربع بن قيظى وكان رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله ومن معه من المسلمين قام يحثى في وجوههم التراب ويقول ان كنت رسول الله فانى لا أحل لك أن تدخل في حائطي. قال ابن إسحاق وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من التراب في يده ثم قال والله لو أعلم أنى لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله ﷺ لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر، وقد بدر اليه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل قبل نهى رسول الله ﷺ فضربه بالقوس في رأسه فشجه ومضى رسول الله ﷺ حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي وفي الجبل وجعل ظهره وعسكره الى أحد وقال لا يقاتلنّ أحد حتى آمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة كانت للمسلمين فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله ﷺ عن القتال أترعى زروع بنى قيلة ولما نضارب؟ وتعبأ رسول الله ﷺ للقتال وهو في سبعمائة رجل وأمر على الرماة يومئذ عبد الله بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض والرماة خمسون رجلا فقال النضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا ان كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك