لنرشدك الى الصواب في صنعتها ﴿فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ فتقدم اليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها وان يحمل معه أهله أي أهل بيته الا من سبق عليه القول منهم اى الا من كان كافرا فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد ووجب عليه حلول البأس الّذي لا يرد وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم الّذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد كما قدمنا بيانه قبل.
والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الأرض أي نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار. وعن ابن عباس التنور عين في الهند وعن الشعبي بالكوفة وعن قتادة بالجزيرة *
وقال على بن أبى طالب المراد بالتنور فلق الصبح وتنوير الفجر أي إشراقه وضياؤه أي عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وهذا قول غريب * وقوله تعالى ﴿حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا اِحْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ﴾ هذا أمر بأن عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين وفي كتاب أهل الكتاب أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج ومما لا يؤكل زوجين ذكرا وأنثى وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق (اثنين) إن جعلنا ذلك مفعولا به. وأما إن جعلناه توكيدا لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافي والله أعلم * وذكر بعضهم ويروى عن ابن عباس أن أول ما دخل من الطيور الدّرة وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار * ودخل إبليس متعلقا بذنب الحمار.
وقال ابن أبى حاتم حدثنا أبى حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف نطمئن أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد فسلط الله عليه الحمّى فكانت أول حمى نزلت في الأرض * ثم شكوا الفارة فقالوا الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله الى الأسد فعطس فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها. هذا مرسل * وقوله ﴿وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ أي من استجيبت فيهم الدعوة النافذة ممن كفر فكان منهم ابنه يام الّذي غرق كما سيأتي بيانه (ومن آمن) أي واحمل فيها من آمن بك من أمتك قال الله تعالى ﴿وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ﴾ هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ودعوتهم الأكيدة ليلا ونهارا بضروب المقال وفنون التلطفات والتهديد والوعيد تارة والترغيب والوعد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم.