تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم وترك ما بقي لهم وان ذلك كله سائغ فقال ما قطعتم من لينة وهو جيد التمر أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ان الجميع قد أذن فيه شرعا وقدرا فلا حرج عليكم فيه ولنعم ما رأيتم من ذلك وليس هو بفساد كما قاله شرار العباد انما هو إظهار للقوة وإخزاء للكفرة الفجرة. وقد روى البخاري ومسلم جميعا عن قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله ﷺ حرق نخل بنى النضير وقطع وهي البويرة فأنزل الله ﴿ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ﴾. وعند البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ حرق نخل بنى النضير وقطع وهي البويرة ولها يقول حسان بن ثابت:
وهان على سراة بنى لؤيّ … حريق بالبويرة مستطير
فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول:
أدام الله ذلك من صنيع … وحرق في نواحيها السعير
ستعلم أينا منها بستر … وتعلم أي أرضينا نضير
قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بنى النضير وقتل كعب بن الأشرف فالله أعلم
لقد خزيت بغدرتها الحبور (١) … كذاك الدهر ذو صرف يدور
وذلك انهم كفروا برب … عظيم أمره أمر كبير
وقد أوتوا معا فهما وعلما … وجاءهم من الله النذير
نذير صادق أدى كتابا … وآيات مبينة تنير
فقالوا ما أتيت بأمر صدق … وأنت بمنكر منا جدير
فقال بلى لقد أديت حقا … يصدقني به الفهم الخبير
فمن يتبعه يهد لكل رشد … ومن يكفر به يخز الكفور
فلما أشربوا غدرا وكفرا … وجدّ بهم عن الحق النفور
أرى الله النبي برأي صدق … وكان الله يحكم لا يجور
فأيده وسلطه عليهم … وكان نصيره نعم النصير
فغودر منهم كعب صريعا … فذلّت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته … بأيدينا مشهّرة ذكور
بأمر محمد إذ دس ليلا … الى كعب أخا كعب يسير
فما كره فأنزله بمكر … ومحمود أخو ثقة جسور
(١) الحبور جمع حبر، وهم علماء اليهود. من هامش الأصل