صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَضِيعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَضَعَا مِنْ ثُوَيْبَةَ مَوْلَاةِ أَبِي لَهَبٍ. وَكَانَ إِسْلَامُ أَبِي سلّم وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ قَدِيمًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ هَاجَرَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ وُلِدَ لَهُمَا بِالْحَبَشَةِ أَوْلَادٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَبِعَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَمَاتَ مِنْ آثَارِ جُرْحٍ جُرِحَهُ بِأُحُدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الِاسْتِرْجَاعِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ سَيَأْتِي فِي سِيَاقِ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ قَرِيبًا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْهَا وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْهِلَالِيَّةَ. وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ أُخْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. ثُمَّ اسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْمَسَاكِينِ لِكَثْرَةِ صَدَقَاتِهَا عَلَيْهِمْ وَبِرِّهَا لَهُمْ وَإِحْسَانِهَا إِلَيْهِمْ. وَأَصْدَقَهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا وَدَخَلَ بِهَا فِي رَمَضَانَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ فَطَلَّقَهَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُرْجَانِيِّ: ثُمَّ خَلَّفَ عَلَيْهَا أَخُوهُ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ: وَقِيلَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ لَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلَّا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً حَتَّى تُوُفِّيَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ. قُلْتُ: وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَوْجِهَا أَبِي أَوْلَادِهَا أَبِي سَلَمَةَ بن عبد الأسد وقد كان شهد أحدا كَمَا تَقَدَّمَ، وَجُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَاوَى جُرْحَهُ شهرا حتى بريء، ثُمَّ خَرَجَ فِي سَرِيَّةٍ فَغَنِمَ مِنْهَا نَعَمًا وَمَغْنَمًا جَيِّدًا، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ انْتَقَضَ عَلَيْهِ جُرْحَهُ فَمَاتَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَمَّا حَلَّتْ فِي شَوَّالٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَفْسِهَا بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَبَعَثَ إِلَيْهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ مِرَرًا فَتَذْكُرُ أَنَّهَا امْرَأَةٌ غَيْرَى أَيْ شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ وَأَنَّهَا مُصْبِيَةٌ أَيْ لَهَا صِبْيَانٌ يَشْغَلُونَهَا عَنْهُ وَيَحْتَاجُونَ إِلَى مُؤْنَةٍ تَحْتَاجُ مَعَهَا أَنْ تَعْمَلَ لَهُمْ فِي قُوتِهِمْ، فَقَالَ: أَمَّا الصِّبْيَةُ فَإِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ أَيْ نَفَقَتُهُمْ لَيْسَ إِلَيْكِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَأَدْعُو اللَّهَ فَيُذْهِبُهَا، فَأَذِنَتْ فِي ذَلِكَ وَقَالَتْ لِعُمَرَ آخِرَ مَا قَالَتْ لَهُ: قُمْ فَزَوِّجِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي قَدْ رَضِيتُ وَأَذِنْتُ. فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا تَقُولُ لِابْنِهَا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ كَانَ إِذْ ذَاكَ صَغِيرًا لَا يَلِي مَثَلُهُ الْعَقْدَ، وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا مُفْرَدًا بَيَّنْتُ فِيهِ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَأَنَّ الَّذِي وَلِيَ عَقْدَهَا عَلَيْهِ ابْنُهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِهَا وَسَاغَ هَذَا لِأَنَّ أَبَاهُ ابْنُ عَمِّهَا فَلِلِابْنِ وِلَايَةُ أُمِّهِ إِذَا كان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute