وهذا الّذي ذكره ابن إسحاق من قصة نعيم بن مسعود أحسن مما ذكره موسى بن عقبة.
وقد أورده عنه البيهقي في الدلائل فإنه ذكر ما حاصله أن نعيم بن مسعود كان يذيع ما يسمعه من الحديث، فاتفق أنه مرّ برسول الله ﷺ ذات يوم عشاء، فأشار اليه أن تعال، فجاء فقال:
ما وراءك؟ فقال: انه قد بعثت قريش وغطفان الى بنى قريظة يطلبون منهم أن يخرجوا اليهم فيناجزوك، فقالت قريظة نعم فأرسلوا إلينا بالرهن. وقد ذكر فيما تقدم: أنهم انما نقضوا العهد على يدي حيي بن أخطب بشرط أن يأتيهم برهائن تكون عندهم توثقة، قال فقال له رسول الله ﷺ: إني مسرّ إليك شيئا فلا تذكره، قال: انهم قد أرسلوا إليّ يدعونني الى الصلح وأردّ بنى النضير الى دورهم وأموالهم، فخرج نعيم بن مسعود عامدا الى غطفان. وقال رسول الله ﷺ«الحرب خدعة وعسى أن يصنع الله لنا» فأتى نعيم غطفان وقريشا فأعلمهم، فبادر القوم وأرسلوا الى بنى قريظة عكرمة وجماعة معه واتفق ذلك ليلة السبت يطلبون منهم أن يخرجوا للقتال معهم فاعتلّت اليهود بالسبت، ثم أيضا طلبوا الرهن توثقة فأوقع الله بينهم واختلفوا. قلت: وقد يحتمل أن تكون قريظة لما يئسوا من انتظام أمرهم مع قريش وغطفان بعثوا الى رسول الله ﷺ يريدون منه الصلح على أن يرد بنى النضير الى المدينة والله أعلم قال ابن إسحاق: فلما انتهى الى رسول الله ﷺ ما اختلف من أمرهم وما فرّق الله من جمعهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه اليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله ﷺ وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخى، قال فكيف كنتم تصنعون؟ قال والله لقد كنا نجتهد، قال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشى على الأرض ولحملناه على أعناقنا، قال فقال حذيفة: يا ابن أخى والله لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ بالخندق وصلّى رسول الله ﷺ هويّا من الليل ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - فشرط له رسول الله ﷺ الرجعة - أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة، فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد، فلما لم يقم أحد دعاني، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا، قال فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه. قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الّذي كان الى جنبي فقلت من أنت؟ قال فلان ابن فلان، ثم قال: يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الّذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فانى مرتحل، ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به