للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أخيه على بعشر سنين، وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين، أسلم جعفر قديما وهاجر إلى الحبشة وكانت له هناك مواقف مشهورة، ومقامات محمودة، وأجوبة سديدة، وأحوال رشيدة، وقد قدمنا ذلك في هجرة الحبشة ولله الحمد. وقد قدم على رسول الله يوم خيبر

فقال عليه الصلاة السلام «ما أدرى أنا بأيهما أسر، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر» وقام اليه واعتنقه وقبل بين عينيه، وقال له يوم خرجوا من عمرة القضية «أشبهت خلقي وخلقي» فيقال إنه حجل عند ذلك فرحا كما تقدم في موضعه ولله الحمد والمنة. ولما بعثه الى مؤتة جعل في الامرة مصليا - أي نائبا - لزيد بن حارثة، ولما قتل وجدوا فيه بضعا وتسعين ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وهو في ذلك كله مقبل غير مدبر، وكانت قد طعنت يده اليمنى ثم اليسرى وهو ممسك للواء فلما فقدهما احتضنه حتى قتل وهو كذلك. فيقال إن رجلا من الروم ضربه بسيف فقطعه باثنتين رضى الله عن جعفر ولعن قاتله، وقد أخبر عنه رسول الله بانه شهيد، فهو ممن يقطع له بالجنة. وجاء بالأحاديث تسميته بذي الجناحين. وروى البخاري عن ابن عمر أنه كان إذا سلّم على ابنه عبد الله بن جعفر يقول: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين، وبعضهم يرويه عن عمر بن الخطاب نفسه، والصحيح ما في الصحيح عن ابن عمر. قالوا لأن الله تعالى عوضه عن يديه بجناحين في الجنة وقد تقدم بعض ما روى في ذلك.

قال الحافظ أبو عيسى الترمذي:

حدثنا على بن حجر ثنا عبد الله بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال قال «رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة» وتقدم في حديث أنه قتل وعمره ثلاث وثلاثين سنة. وقال ابن الأثير في الغابة كان عمره يوم قتل إحدى وأربعين، قال وقيل غير ذلك.

قلت: وعلى ما قيل إنه كان أسن من على بعشر سنين يقتضي أن عمره يوم قتل تسع وثلاثون سنة لأن عليا أسلم وهو ابن ثمان سنين على المشهور فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وهاجر وعمره احدى وعشرين سنة، ويوم مؤتة كان في سنة ثمان من الهجرة والله أعلم. وقد كان يقال لجعفر بعد قتله الطيار لما ذكرنا، وكان كريما جوادا ممدحا، وكان لكرمه يقال له أبا المساكين لإحسانه اليهم. قال الامام احمد وحدثنا عفان بن وهيب ثنا خالد عن عكرمة عن أبى هريرة قال: ما احتذى النعال ولا انتعل، ولا ركب المطايا ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله أفضل من جعفر بن أبى طالب وهذا إسناد جيد الى أبى هريرة وكأنه إنما يفضله في الكرم، فاما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصديق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه، واما أخوه على فالظاهر أنهما متكافئان أو على أفضل منه، وانما أراد أبو هريرة تفضيله في الكرم بدليل ما رواه البخاري ثنا

<<  <  ج: ص:  >  >>