للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر المفسرون ان ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم الى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم فقالوا له ان أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة وأشاروا الى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافا سموها ونعتوها وتعنتوا فيها وأن تكون عشراء طويلة من صفتها كذا وكذا فقال لهم النبي صالح أرأيتم ان أجبتكم الى ما سألتم على الوجه الّذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به. قالوا نعم فاخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك ثم قام الى مصلاه فصلى لله ﷿ ما قدر له ثم دعا ربه ﷿ أن يجيبهم الى ما طلبوا فأمر الله ﷿ تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه المطلوب الّذي طلبوا أو على الصفة التي نعتوا فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما ومنظرا هائلا وقدرة باهرة ودليلا قاطعا وبرهانا ساطعا فآمن كثير منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم ولهذا قال ﴿فَظَلَمُوا بِها﴾ أي جحدوا بها ولم يتبعوا الحق بسببها أي أكثرهم. وكان رئيس الذين آمنوا جندع بن عمرو بن محلاه بن لبيد بن جواس. وكان من رؤسائهم وهم بقية الأشراف بالإسلام قصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد والخباب صاحبا أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلمس ودعا جندع بن عمه شهاب بن خليفة وكان من اشرافهم فهم بالإسلام فنهاه أولئك فمال اليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل

وكانت عصبة من آل عمرو … الى دين النبي دعوا شهابا

عزيز ثمود كلهم جميعا … فهم بأن يجيب ولو أجابا

لأصبح صالح فينا عزيزا … وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا

ولكن الغواة من آل حجر … تولوا بعد رشدهم ذآبا (١)

ولهذا قال لهم صالح ﴿هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً﴾ أضافها لله اضافة تشريف وتعظيم كقوله بيت الله وعبد الله لكم آية أي دليلا على صدق ما جئتكم به ﴿فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ﴾ فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم وترد الماء يوما بعد يوم وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم ويقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ولهذا «قال ﴿لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ» ولهذا قال تعالى ﴿إِنّا مُرْسِلُوا النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ﴾ أي اختبارا لهم أيؤمنون بها أم يكفرون والله أعلم بما يفعلون ﴿فَارْتَقِبْهُمْ﴾ أي انتظر ما يكون من أمرهم ﴿وَاِصْطَبِرْ﴾ على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ فلما طال عليهم الحال هذا اجتمع ملؤهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم وزين لهم الشيطان


(١) كذا بالأصل وفي العرائس ذبابا وفي نسخة فولوا بدل تولوا

<<  <  ج: ص:  >  >>