للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحارث، وقيس بن عاصم أخو بنى سعد في وفد عظيم من بنى تميم. قال ابن إسحاق: ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله فتح مكة وحنين والطائف، فلما قدم وفد بنى تميم كانا معهم،

ولما دخلوا المسجد نادوا رسول الله من وراء حجراته أن أخرج إلينا يا محمد، فآذى ذلك رسول الله من صياحهم، فخرج اليهم فقالوا يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا. قال: «قد أذنت لخطيبكم فليقل» فقام عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الّذي له علينا الفضل والمن وهو أهله الّذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزة أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة. فمن مثلنا في الناس، ألسنا برءوس الناس وأولى فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو نشاء لا كثرنا الكلام ولكن نخشى (١) من الإكثار فيما أعطانا، وإنا نعرف [بذلك] أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس.

فقال رسول الله لثابت بن قيس بن شماس أخى بنى الحارث بن الخزرج: «قم فأجب الرجل في خطبته» فقام ثابت فقال: الحمد لله الّذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا واصطفى من خيرته رسولا أكرمه نسبا وأصدقه حديثا وأفضله حسبا، فانزل عليه كتابا وائتمنه على خلقه فكان خيرة (٢) الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الايمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوى رحمه أكرم الناس أحسابا، وأحسن الناس وجوها، وخير الناس فعالا ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا وكان قتله علينا يسيرا، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم.

فقام الزبرقان بن بدر فقال:

نحن الكرام فلا حىّ يعادلنا … منّا الملوك وفينا تنصب البيع

وكم قسرنا من الأحياء كلهم … عند النهاب وفضل العز يتبع

ونحن يطعم عند القحط مطعمنا … من الشواء إذا لم يؤنس الفزع

بما ترى الناس تأتينا سراتهم … من كل أرض هويا ثم نصطنع

فننحر الكوم عبطا في أرومتنا … للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا

فما ترانا إلى حي نفاخرهم … إلا استفادوا وكانوا الرأس تقتطع

فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه … فيرجع القوم والاخبار تستمع


(١) كذا في الأصلين، وفي ابن هشام: ولكنا نحيا.
(٢) في ابن هشام: من خير خلقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>