يتعذر على هذا الجم الغفير، فاحتاج أن يبيت قبل مكة ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب الّذي كانت قريش قد عاقدت بنى كنانة على بنى هاشم وبنى المطلب فيه فلم يبرم الله لقريش أمرا بل كبتهم وردهم خائبين، وأظهر الله دينه ونصر نبيه وأعلا كلمته، وأتم له الدين القويم، وأوضح به الصراط المستقيم، فحج بالناس وبيّن لهم شرائع الله وشعائره، وقد نفر بعد إكمال المناسك فنزل في الموضع الّذي تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة، وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم فإذا فرغت أتته، فلما قضت عمرتها ورجعت أذن في المسلمين بالرحيل الى البيت العتيق. كما قال أبو داود حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن أفلح عن القاسم عن عائشة قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة فدخلت فقضيت عمرتي وانتظرنى رسول الله ﷺ بالأبطح حتى فرغت وأمر الناس بالرحيل. قالت:
وأتى رسول الله ﷺ البيت فطاف به ثم خرج. وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد ثم قال أبو داود ثنا محمد بن بشار ثنا أبو بكر - يعنى الحنفي - ثنا أفلح عن القاسم [عنها]- يعنى عائشة - قالت: خرجت معه يعنى رسول الله ﷺ، النفر الآخر ونزل المحصب. قال أبو داود فذكر ابن بشار بعثها الى التنعيم قالت: ثم جئت سحرا، فأذن في الصحابة بالرحيل فارتحل فمر بالبيت (١) قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجها الى المدينة. ورواه البخاري عن محمد بن بشار به.
قلت: والظاهر أنه ﵇ صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه وقرأ في صلاته تلك بسورة ﴿وَالطُّورِ * وَكِتابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ السورة بكمالها. وذلك لما رواه البخاري حيث قال حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة زوج النبي ﷺ.
قال: شكوت الى رسول الله أتى أشتكى، قال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله ﷺ يصلى حينئذ الى جنب البيت وهو يقرأ والطور وكتاب مسطور. وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك باسناد نحوه.
وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله قال: وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها: «إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفى على بعيرك والناس يصلون» فذكر الحديث فأما ما رواه الامام احمد حدثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة. أن رسول الله ﷺ: أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة فهو اسناد كما