للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون وأسلافنا الأولون أو أن لا نتعامل الا على الوجه الّذي ترتضيه أنت ونترك المعاملات التي تأباها وان كنا نحن نرضاها ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ قال ابن عباس وميمون ابن مهران وابن جريج وزيد بن أسلم وابن جرير يقولون ذلك أعداء الله على سبيل الاستهزاء ﴿قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اِسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ هذا تلطف معهم في العبارة ودعوة لهم الى الحق بابين اشارة يقول لهم أرأيتم أيها المكذبون ﴿إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ أي على أمر بين من الله تعالى أنه أرسلنى إليكم ﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً﴾ يعنى النبوة والرسالة يعنى وعمى عليكم معرفتها فأى حيلة لي بكم. وهذا كما تقدم عن نوح أنه قال لقومه سواء وقوله ﴿وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ﴾ أي لست آمركم بالأمر الا وأنا أول فاعل له وإذا نهيتكم عن الشيء فانا أول من يتركه وهذه هي الصفة المحمودة العظيمة وضدها هي المردودة الذميمة كما تلبس بها علماء بنى إسرائيل في آخر زمانهم وخطباؤهم الجاهلون * قال الله تعالى ﴿أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ وذكر عندها

في الصحيح عن رسول الله أنه قال يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه أي تخرج أمعاؤه من بطنه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه * وهذه صفة مخالفي الأنبياء من الفجار والأشقياء فاما السادة من النجباء والألباء من العلماء الذين يخشون ربهم بالغيب فحالهم كما قال نبي الله شعيب ﴿وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اِسْتَطَعْتُ﴾ أي ما أريد في جميع أمرى إلا الإصلاح في الفعال والمقال بجهدي وطاقتي ﴿وَما تَوْفِيقِي﴾ أي في جميع أحوالى ﴿إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أي عليه أتوكل في سائر الأمور واليه مرجعي ومصيري في كل أمرى وهذا مقام ترغيب.

ثم انتقل الى نوع من الترهيب فقال ﴿وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ أي لا تحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الاستمرار على ضلالكم وجهلكم ومخالفتكم فيحل الله بكم من العذاب والنكال نظير ما أحله بنظرائكم وأشباهكم من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين المخالفين. وقوله ﴿وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ قيل معناه في الزمان أي ما بالعهد من قدم مما قد بلغكم ما أحل بهم على كفرهم وعتوهم * وقيل معناه وما هم منكم ببعيد في المحلة والمكان. وقيل في الصفات والأفعال المستقبحات من قطع الطريق وأخذ أموال الناس جهرة وخفية بأنواع الحيل والشبهات. والجمع بين هذه الأقوال ممكن فإنهم لم يكونوا بعيدين منهم لا زمانا ولا مكانا ولا صفات ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال ﴿وَاِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>