للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ﴾ طلبوا بزعمهم أن يردوا من آمن منهم الى ملتهم فانتصب شعيب للمحلجة عن قومه فقال ﴿أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ﴾ أي هؤلاء لا يعودون إليكم اختيارا وانما يعودون اليه إن عادوا اضطرارا مكرهين وذلك لان الايمان إذا خالطته بشاشة القلوب لا يسخطه أحد ولا يرتد أحد عنه ولا محيد لأحد منه. ولهذا قال ﴿قَدِ اِفْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا﴾ أي فهو كافينا وهو العاصم لنا واليه ملجاؤنا في جميع أمرنا ثم استفتح على قوله واستنصر ربه عليه في تعجيل ما يستحقونه اليهم فقال ﴿رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ﴾ أي الحاكمين) فدعا عليهم والله لا يرد دعاء رسله إذا استنصروه على الذين جحدوه وكفروه وبرسوله خالفوه. ومع هذا صمموا على ما هم عليه مشتملون. وبه متلبسون ﴿وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اِتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ﴾ قال الله تعالى. ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم رجفة أي رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالا شديدا أزهقت أرواحهم من أجسادها وصيرت حيوانات أرضهم كجمادها وأصبحت جثثهم جاثية لا أرواح فيها ولا حركات بها ولا حواس لها * وقد جمع الله عليهم أنواعا من العقوبات وصنوفا من المثلات وأشكالا من البليات وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات. ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ويوافق طباقها في سباق قصة الأعراف ارجفوا نبي الله وأصحابه وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم أو ليعودن في ملتهم راجعين فقال تعالى ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ فقابل الارجفاف بالرجفة والاخافة بالخيفة وهذا مناسب لهذا السياق ومتعلق بما تقدمه من السباق * وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم ﴿الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والاستهزاء والتنقص ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطى هذا الكلام القبيح الّذي واجهوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح فجاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم. وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة. وكان ذلك إجابة لما طلبوا. وتقريبا الى ما اليه رغبوا. فإنهم قالوا ﴿إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَما أَنْتَ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ * قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ قال الله تعالى وهو السميع العليم ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقوله ضعيف وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>