به مكنا له في أرض مصر ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ﴾ أي فهمها. وتعبير الرؤيا من ذلك ﴿وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ﴾ أي إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابا وأمورا لا يهتدى اليها العباد ولهذا قال تعالى ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾. فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد. وهو حد الأربعين الّذي يوحى الله فيه الى عباده النبيين عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين.
وقد اختلفوا في مدة العمر الّذي هو بلوغ الأشد فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم والشعبي هو الحلم. وقال سعيد بن جبير ثماني عشرة سنة. وقال الضحاك عشرون سنة وقال عكرمة خمس وعشرون سنة. وقال السدي ثلاثون سنة. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ثلاث وثلاثون سنة. وقال الحسن أربعون سنة. ويشهد له قوله تعالى ﴿حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾. ﴿وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ. وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾.
﴿* وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاِسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ * قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصّادِقِينَ * فَلَمّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاِسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ﴾. يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف ﵇ عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها وهي مع هذا كله امرأة الوزير * قال ابن إسحاق وبنت أخت الملك (١) الريان بن الوليد صاحب مصر. وهذا كله مع أن يوسف ﵇ شاب بديع الجمال والبهاء إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء فعصمه ربه عن الفحشاء. وحماه عن مكر النساء. فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء. المذكورين
في الصحيحين عن خاتم الأنبياء. في قوله ﵊ من رب الأرض والسماء (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل.
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود اليه.
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله) والمقصود أنها دعته اليها وحرصت على ذلك أشد الحرص فقال ﴿مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي﴾ يعنى زوجها
(١) في النسختين الموجودتين بالمكتبة المصرية أخ الملك