صاحب المنزل سيدي ﴿أَحْسَنَ مَثْوايَ﴾ أي أحسن الى وأكرم مقامي عنده ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾ وقد تكلمنا على قوله ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ بما فيه كفاية ومقنع في التفسير وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالاعراض عنه أولى بنا * والّذي يجب أن يعتقد أن الله تعالى عصمه وبرأه ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها * ولهذا قال تعالى ﴿كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاِسْتَبَقَا الْبابَ﴾ أي هرب منها طالبا الى الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته في أثره ﴿وَأَلْفَيا﴾ أي وجدا ﴿سَيِّدَها﴾ أي زوجها لدى الباب فبدرته بالكلام وحرضته عليه ﴿قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾.
اتهمته وهي المتهمة وبرأت عرضها ونزهت ساحتها فلهذا قال يوسف ﵇ ﴿هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ احتاج الى أن يقول الحق عند الحاجة ﴿وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها﴾ قيل كان صغيرا في المهد قاله ابن عباس * وروى عن أبى هريرة وهلال بن يساف والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك واختاره ابن جرير. وروى فيه حديثا مرفوعا عن ابن عباس ووقفه غيره عنه * وقيل كان رجلا قريبا الى أطفير بعلها. وقيل قريبا اليها * وممن قال إنه كان رجلا ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم فقال ﴿إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه ﴿وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ أي لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك وكذلك كان.
ولهذا قال تعالى ﴿فَلَمّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ أي هذا الّذي جرى من مكركن أنت راودته عن نفسه * ثم اتهمته بالباطل ثم ضرب بعلها عن هذا صفحا فقال ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا﴾ أي لا تذكره لأحد لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن وأمرها بالاستغفار لذنبها الّذي صدر منها والتوبة الى ربها فان العبد إذا تاب الى الله تاب الله عليه. وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الّذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك * ولهذا قال لها بعلها وعذرها من بعض الوجوه لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله الا أنه عفيف نزيه بريء العرض سليم الناحية فقال ﴿اِسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ اِمْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ. فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ * قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ * فَاسْتَجابَ﴾