للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) * يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها والتشنيع عليها في مراودتها فتاها وحبها الشديد له تعنين وهو لا يساوى هذا لانه مولى من الموالي وليس مثله أهلا لهذا ولهذا قلن ﴿إِنّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ أي في وضعها الشيء في غير محله ﴿فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة اليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها فاظهرن ذما وهي معذورة في نفس الأمر فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن ولا من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها. واعتدت لهن ضيافة مثلهن وأحضرت في جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه وأتت كل واحدة منهن سكينا وكانت قد هيأت يوسف وألبسته أحسن الثياب وهو في غاية طراوة الشباب وأمرته بالخروج عليهنّ بهذه الحالة. فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة ﴿فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ أي اعظمنه وأجللنه وهبنه وما ظنن أن يكون مثل هذا في بنى آدم وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح ﴿وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾. وقد جاء في حديث الاسراء

(فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطى شطر الحسن) قال السهيليّ وغيره من الائمة معناه أنه كان على النصف من حسن آدم لأن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه فكان في غاية نهايات الحسن البشرى ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه ويوسف كان على النصف من حسن آدم ولم يكن بينهما أحسن منهما كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل .

قال ابن مسعود وكان وجه يوسف مثل البرق وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه * وقال غيره كان في الغالب مبرقعا لئلا يراه الناس ولهذا لما قام عذر امرأة العزيز في محبتها لهذا المعنى المذكور وجرى لهن وعليهنّ ما جرى من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته ﴿قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ ثم مدحته بالعصمة التامة فقالت ﴿وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ أي امتنع ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ وكان بقية النساء حرّضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشد الاباء. ونأى لانه من سلالة الأنبياء ودعا فقال في دعائه لرب العالمين ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ يعنى إن وكلتني الى نفسي فليس لي من نفسي الا العجز والضعف ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فانا ضعيف الا ما قويتني وعصمتني وحفظتني وحطني بحولك وقوتك ولهذا قال تعالى ﴿فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>