﴿حَتّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ. قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً. وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ * وَاِتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ * يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ * ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ﴾. يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم أي ظهر لهم من الرأى بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه الى وقت ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية وأحمد لأمرها وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها فسجنوه ظلما وعدوانا. وكان هذا مما قدر الله له * ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم * ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعيّ أن من العصمة أن لا تجد قال الله ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ﴾ قيل كان أحدهما ساقى الملك واسمه فيما قيل بنو. والآخر خبازه يعنى الّذي يلي طعامه وهو الّذي يقول له الترك (الجاشنكير) واسمه فيما قيل مجلث كان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما * فلما رأيا يوسف في السجن أعجبهما سمته وهديه ودله وطريقته وقوله وفعله وكثرة عبادته ربه وإحسانه الى خلقه فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه * قال أهل التفسير رأيا في ليلة واحدة * أما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه * ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز وضوارى الطيور تأكل من السل الأعلى فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرهما لهما وقالا ﴿إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها و ﴿قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما﴾ * قيل معناه مهما رأيتما من حلم فانى أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول * وقيل معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلوا أو حامضا كما قال عيسى ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ وقال لهما إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب ﴿ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا﴾ أي بأن هدانا لهذا ﴿وَعَلَى النّاسِ﴾ أي بان أمرنا أن ندعوهم اليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز وفي جبلتهم مغروز ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ * ثم دعاهم الى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله ﷿ وصغر أمر الأوثان وحقرها وضعف أمرها فقال ﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ﴾