للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْواحِدُ الْقَهّارُ * ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ) أي هو المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الّذي يهدى من يشاء ويضل من يشاء ﴿أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ﴾ أي وحده لا شريك له و ﴿ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي المستقيم والصراط القويم ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي فهم لا يهتدون اليه مع وضوحه وظهوره وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقى ما يقول بالقبول فناسب أن يدعوهما الى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه * ثم لما قام بما وجب عليه وارشد الى ما أرشد اليه قال ﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً﴾ قالوا وهو الساقي ﴿وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ﴾ قالوا وهو الخباز ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ﴾ أي وقع هذا لا محالة ووجب كونه على حالة ولهذا جاء في الحديث (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت).

وقد روى عن بن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (أنهما قالا لم نر شيئا) فقال لهما ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ * وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾. يخبر تعالى أن يوسف قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي ﴿اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ يعنى اذكر أمرى وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك * وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب * ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب. وقوله ﴿فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ أي فأنسى الناجي منهما الشيطان. أن يذكر ما وصاه به يوسف * قاله مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب وهو منصوص أهل الكتاب ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ والبضع ما بين الثلاث الى التسع * وقيل الى السبع * وقيل الى الخمس * وقيل ما دون العشرة. حكاها الثعلبي * ويقال يضع نسوة وبضعة رجال * ومنع الفراء استعمال البضع فيما دون العشر قال وإنما يقال نيف. وقال الله تعالى ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ وقال تعالى في ﴿بِضْعَ سِنِينَ﴾ وهذا رد لقوله * قال الفراء ويقال بضعة عشر وبضعة وعشرون الى التسعين ولا يقال بضع ومائة وبضع وألف وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر فمنع أن يقال بضعة وعشرون الى تسعين * وفي الصحيح (الايمان بضع وستون) وفي رواية وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ومن قال إن الضمير في قوله ﴿فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله وان كان قد روى عن ابن عباس وعكرمة والحديث الّذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه * تفرد باسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي (١) المكيّ وهو متروك. ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى والله أعلم.


(١) في نسخة خوذى وفي أخرى خورى والصواب الخوزي

<<  <  ج: ص:  >  >>