للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله من صلاته رفع يديه فقال: اللهمّ عليك بالملإ من قريش، ثم سمى فقال: اللهمّ عليك بأبي جهل وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبى معيط وعمارة بن الوليد،

قال عبد الله بن مسعود: فو الّذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر، وكذلك لما أقبلت قريش يوم بدر في عددها وعديدها، فحين عاينهم رسول الله قال رافعا يديه:

اللهمّ هذه قريش جاءتك بفخرها وخيلائها، تجادل وتكذب رسولك، اللهمّ أصبهم الغداة، فقتل من سراتهم سبعون وأسر من أشرافهم سبعون، ولو شاء الله لاستأصلهم عن آخرهم، ولكن من حلم وشرف نبيه أبقى منهم من سبق في قدره أن سيؤمن به وبرسول الله ، وقد دعا على عتبة بن أبى لهب أن يسلط عليه كلبه بالشام، فقتله الأسد عند وادي الزرقاء قبل مدينة بصرى * وكم له من مثلها ونظيرها، (١) كسبع يوسف فقحطوا حتى أكلوا العكبر، وهو الدم بالوتر، وأكلوا العظام وكل شيء، ثم توصلوا إلى تراحمه وشفقته ورأفته، فدعا لهم، ففرج الله عنهم وسقوا الغيث ببركة دعائه * وقال الامام الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتاب دلائل النبوة - وهو كتاب حافل -: ذكر ما أوتى نوح من الفضائل، وبيان ما أوتى محمد مما يضاهى فضائله ويزيد عليها، إن قوم نوح لما بلغوا من أذيته والاستخفاف به، وترك الايمان بما جاءهم به من عند الله، دعا عليهم فقال: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً﴾ فاستجاب الله دعوته، وغرق قومه، حتى لم يسلّم شيء من الحيوانات والدواب إلا من ركب السفينة، وكان ذلك فضيلة أوتيها، إذ أجيبت دعوته، وشفى صدره بإهلاك قومه * قلنا: وقد أوتى محمد مثله حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف، فأنزل الله إليه ملك الجبال وأمره بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه، فاختار الصبر على أذيتهم، والابتهال في الدعاء لهم بالهداية * قلت: وهذا أحسن، وقد تقدم الحديث بذلك عن عائشة عن رسول الله ، في قصة ذهابه إلى الطائف، فدعاهم فآذوه فرجع وهو مهموم، فلما كان عند قرن الثعالب ناداه ملك الجبال فقال: يا محمد إن ربك قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد أرسلنى إليك لأفعل ما تأمرنى به، فأن شئت أطبقت عليهم الأخشبين - يعنى جبلي مكة اللذين يكتنفانها جنوبا وشمالا، أبو قبيس وزر، فقال: بل استأنى بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئا * وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في مقابلة قوله تعالى: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، * فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ، * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ أحاديث الاستسقاء عن أنس وغيره، كما تقدم ذكرنا لذلك في دلائل النبوة قريبا

أنه سأله ذلك الأعرابي أن يدعو الله لهم، لما بهم من الجدب والجوع، فرفع يديه فقال: اللهمّ اسقنا،


(١) كذا، والظاهر أن فيه سقطا.

<<  <  ج: ص:  >  >>