تأكل مواضع السجود * وقد نزل أبو مسلّم بداريّا من غربي دمشق وكان لا يسبقه أحد إلى المسجد الجامع بدمشق وقت الصبح، وكان يغازى ببلاد الروم، وله أحوال وكرامات كثيرة جدا، وقبره مشهور بداريا، والظاهر أنه مقامه الّذي كان يكون فيه، فأن الحافظ ابن عساكر رجح أنه مات ببلاد الروم، في خلافة معاوية، وقيل: في أيام ابنه يزيد، بعد الستين والله أعلم * وقد وقع لأحمد بن أبى الحواري من غير وجه أنه جاء إلى أستاذه أبى سليمان يعلمه بأن التنور قد سجروه وأهله ينتظرون ما يأمرهم به، فوجده يكلم الناس وهم حوله فأخبره بذلك فاشتغل عنه بالناس، ثم أعلمه فلم يلتفت إليه، ثم أعلمه مع أولئك الذين حوله، فقال: اذهب فاجلس فيه، فذهب أحمد بن أبى الحواري إلى التنور فجلس فيه وهو يتضرم نارا فكان عليه بردا وسلاما، وما زال فيه حتى استيقظ أبو سليمان من كلامه فقال لمن حوله: قوموا بنا إلى أحمد بن أبى الحواري، فأنى أظنه قد ذهب إلى التنور فجلس فيه امتثالا لما أمرته، فذهبوا فوجدوه جالسا فيه، فأخذ بيده الشيخ أبو سليمان وأخرجه منه، رحمة الله عليهما ورضى الله عنهما * وقال شيخنا أبو المعالي: وأما إلقاؤه - يعنى إبراهيم ﵇ من المنجنيق، فقد وقع في حديث البراء بن مالك في وقعة مسيلمة الكذاب، وأن أصحاب مسيلمة انتهوا إلى حائط حفير فتحصنوا به وأغلقوا الباب، فقال البراء بن مالك: ضعونى على برش واحملوني على رءوس الرماح ثم ألقونى من أعلاها داخل الباب، ففعلوا ذلك وألقوه عليهم فوقع وقام وقاتل المشركين، وقتل مسيلمة * قلت: وقد ذكر ذلك مستقصى في أيام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبنى حنيفة، وكانوا في قريب [من] مائة ألف أو يزيدون، وكان المسلمون بضعة عشر ألفا، فلما التقوا جعل كثير من الأعراب يفرون، فقال المهاجرون والأنصار: خلصنا يا خالد، فميزهم عنهم، وكان المهاجرون والأنصار قريبا من ألفين وخمسمائة، فصمموا الحملة وجعلوا يتدابرون ويقولون:
يا أصحاب سورة البقرة، بطل السحر اليوم، فهزموهم بأذن الله ولجئوهم إلى حديقة هناك، وتسمى حديقة الموت، فتحصنوا بها، فحصروهم فيها، ففعل البراء بن مالك، أخو أنس بن مالك - وكان الأكبر - ما ذكر من رفعه على الأسنة فوق الرماح حتى تمكن من أعلى سورها، ثم ألقى نفسه عليهم ونهض سريعا إليهم، ولم يزل يقاتلهم وحده ويقاتلونه حتى تمكن من فتح الحديقة ودخل المسلمون يكبرون وانتهوا إلى قصر مسيلمة وهو واقف خارجة عند جدار كأنه جمل أزرق، أي من سمرته، فابتدره وحشي بن حرب الأسود، قاتل حمزة، بحربته، وأبو دجانة سماك بن حرشة الأنصاري - وهو الّذي ينسب اليه شيخنا هذا أبو المعالي بن الزملكانى - فسبقه وحشي فأرسل الحربة عليه من بعد فأنفذها منه، وجاء إليه أبو دجانة فعلاه بسيفه فقتله، لكن صرخت جارية من فوق القصر: وا أميراه، قتل العبد الأسود، ويقال: إن عمر مسيلمة يوم قتل مائة وأربعين سنة، لعنه