للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَرَّخَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَإِذَا كِسْرَى قَدْ سَلَّطَ الله عليه ولده فقتله، فأسلما وأسلم نَائِبُ الْيَمَنِ، وَكَانَ سَبَبَ مُلْكِ الْيَمَنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي في أنباء التواريخ ليقع ذلك طبق ما كان سواء وذكر ابن حامد في مقابلة جهاد عيسى عليه الصلاة والسلام جِهَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي مُقَابَلَةِ زُهْدِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، زَهَادَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُنُوزِ الْأَرْضِ حِينَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ فَأَبَاهَا، وَقَالَ: أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ زَوْجَةً يَمْضِي عَلَيْهِنَّ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ لَا تُوقَدُ عِنْدَهُنَّ نَارٌ وَلَا مِصْبَاحٌ إِنَّمَا هُوَ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، وَرُبَّمَا رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ، وَمَا شَبِعُوا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا، وَكَانَ فراشه من أدم وحشوه ليف، وربما اعتقل الشاة فيحلبها، وَرَقَّعَ ثَوْبَهُ، وَخَصَفَ نَعْلَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى طَعَامٍ اشْتَرَاهُ لِأَهْلِهِ، هَذَا وَكَمْ آثَرَ بِآلَافٍ مُؤَلَّفَةٍ وَالْإِبِلِ وَالشَّاءِ وَالْغَنَائِمِ وَالْهَدَايَا، عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَالْأَسْرَى وَالْمَسَاكِينِ وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُقَابَلَةِ تَبْشِيرِ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ الصديقة بوضع عِيسَى مَا بُشِّرَتْ بِهِ آمِنَةُ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ فِي مَنَامِهَا، وَمَا قِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي الْمَوْلِدِ كَمَا تَقَدَّمَ وقد أورد الحافظ أبو نعيم هاهنا حَدِيثًا غَرِيبًا مُطَوَّلًا بِالْمَوْلِدِ أَحْبَبْنَا أَنْ نَسُوقَهُ لِيَكُونَ الْخِتَامَ نَظِيرَ الِافْتِتَاحِ، وباللَّه الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وللَّه الْحَمْدُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أحمد، حدثنا حفص بن عمرو بْنِ الصَّبَاحِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابِلِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَ مِنْ دَلَالَاتِ حَمْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ نَطَقَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ: قد حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَمَانُ الدُّنْيَا وَسِرَاجُ أَهْلِهَا، ولم يبق كاهن فِي قُرَيْشٍ وَلَا قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إِلَّا حُجِبَتْ عَنْ صَاحِبَتِهَا، وَانْتُزِعَ عِلْمُ الْكَهَنَةِ مِنْهَا، وَلَمْ يَبْقَ سَرِيرُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا إِلَّا أَصْبَحَ مَنْكُوسًا، وَالْمَلِكُ مُخَرَّسًا لَا ينطق يومه لذلك، وفرت وُحُوشُ الْمَشْرِقِ إِلَى وُحُوشِ الْمَغْرِبِ بِالْبِشَارَاتِ، وَكَذَلِكَ أهل البحار بشر بعضهم بعضا، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِهِ نِدَاءٌ فِي الأرض ونداء في السموات: أَبْشِرُوا فَقَدْ آنَ لِأَبِي الْقَاسِمِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْأَرْضِ مَيْمُونًا مُبَارَكًا. قَالَ:

وَبَقِيَ فِي بَطْنِ أَمِّهِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَهَلَكَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا، بَقِيَ نَبِيُّكَ هَذَا يَتِيمًا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: أَنَا لَهُ وَلِيٌّ وَحَافِظٌ ونصير، فتبركوا بمولده ميمونا مباركا. وَفَتَحَ اللَّهُ لِمَوْلِدِهِ أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَجَنَّاتِهِ، وَكَانَتْ آمنة تحدث عن نفسها وتقول: أتى لي آت حين مر لي مِنْ حَمْلِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَكَزَنِي بِرِجْلِهِ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ: يَا آمِنَةُ إِنَّكِ حَمَلْتِ بِخَيْرِ العالمين طرا، فإذا ولدتيه فسميه محمدا أو النبي، شَأْنَكِ. قَالَ: وَكَانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهَا وَتَقُولُ: لقد أخذنى

<<  <  ج: ص:  >  >>