للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد من القوم، ذكر ولا أنثى، وإني لوحيدة في المنزل وعبد المطلب في طوافه، قالت: فسمعت وجبة شديدة، وأمرا عظيما، فهالني ذلك، وذلك يوم الإثنين، ورأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي فذهب كل رعب وكل فزع ووجل كنت أجد، ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا، وكنت عطشانة، فتناولتها فشربتها فأصابنى نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل الطوال، كأنهن من بنات عبد المطلب يحدقن بى، فبينا أنا أعجب وأقول: وا غوثاه، من أين علمن بى؟ واشتد بى الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول، وإذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض، وإذا قائل يقول: خذوه عن أعين الناس، قالت: رأيت رجالا وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة وأنا يرشح منى عرق كالجمان، أطيب ريحا من المسك الأذفر، وأنا أقول:

ياليت عبد المطلب قد دخل على، قالت: ورأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي، مناقيرها من الزمرد، وأجنحتها من اليواقيت، فكشف الله لي عن بصيرتي، فأبصرت من ساعتي مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاث علامات مضروبات، علم بالمشرق، وعلم بالمغرب، وعلم على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض واشتد بى الطلق جدا، فكنت كأنى مسندة إلى أركان النساء، وكثرن على حتى كأنى مع البيت وأنا لا أرى شيئا، فولدت محمدا، فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه فإذا هو ساجد وقد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته، فغيب عن عيني، فسمعت مناديا ينادى يقول: طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها، وأدخلوه البحار كلها، ليعرفوه باسمه ونعته وصورته، ويعلموا أنه سمى الماحي، لا يبقى شيء من الشرك إلا محي به، قالت: ثم تخلوا عنه في أسرع وقت فإذا أنابه مدرج في ثوب صوف أبيض، أشد بياضا من اللبن، وتحته حريرة خضراء، وقد قبض محمد ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض، وإذا قائل يقول: قبض محمد مفاتيح النصر، ومفاتيح الريح، ومفاتيح النبوة * هكذا أورده وسكت عليه، وهو غريب جدا * وقال الشيخ جمال الدين أبو زكريا، يحيى بن يوسف بن منصور بن عمر الأنصاري الصرصرى، الماهر الحافظ للأحاديث واللغة، ذو المحبة الصادقة لرسول الله ، فلذلك يشبه في عصره بحسان بن ثابت ، وفي ديوانه المكتوب عنه في مديح رسول الله ، وقد كان ضرير البصر، بصير البصيرة، وكانت وفاته ببغداد في سنة ست وخمسين وستمائة، قتله التتار في كل بنت (١) بغداد كما سيأتي ذلك في موضعه، في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى، وبه الثقة، وعليه التكلان، قال في قصيدته من حرف الحاء المهملة من ديوانه:

محمد المبعوث للناس رحمة … يشيد ما أوهى الضلال ويصلح


(١) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>