جهرة كالزائر، فدخل الأسود فقال: وما هذا؟ فقالت: إنه أخى من الرضاعة، وهو ابن عمى، فنهره وأخرجه، فرجع إلى أصحابه، فلما كان الليل نقبوا ذلك البيت فدخلوا فوجدوا فيه سراجا تحت جفنة فتقدم اليه فيروز الديلميّ والأسود نائم على فراش من حرير، قد غرق رأسه في جسده، وهو سكران يغط، والمرأة جالسة عنده، فلما قام فيروز على الباب أجلسه شيطانه وتكلم على لسانه - وهو مع ذلك يغط - فقال: ما لي وما لك يا فيروز؟ فخشي إن رجع يهلك وتهلك المرأة، فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل فأخذ رأسه فدق عنقه ووضع ركبتيه في ظهره حتى قتله، ثم قام ليخرج إلى أصحابه ليخبرهم، فأخذت المرأة بذيله وقالت: أين تذهب عن حرمتك. فظنت أنها لم تقتله، فقال:
أخرج لأعلمهم بقتله، فدخلوا عليه ليحتزوا رأسه، فحركه شيطانه فاضطرب، فلم يضبطوا أمره حتى جلس اثنان على ظهره، وأخذت المرأة بشعره، وجعل يبربر بلسانه فاحتزّ الآخر رقبته، فخار كأشد خوار ثور سمع قط، فابتدر الحرس إلى المقصورة، فقالوا: ما هذا ما هذا؟ فقالت المرأة: النبي يوحى إليه، فرجعوا، وجلس قيس وداذويه وفيروز يأتمرون كيف يعلمون أشياعهم، فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارهم الّذي بينهم وبين المسلمين، فلما كان الصباح قام أحدهم، وهو قيس على سور الحصن فنادى بشعارهم، فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن، فنادى قيس ويقال: وبر بن يحنش، الأذان: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقى إليهم رأسه فانهزم أصحابه وتبعهم الناس يأخذونهم ويرصدونهم في كل طريق يأسرونهم، وظهر الإسلام وأهله، وتراجع نواب رسول الله ﷺ إلى أعمالهم وتنازع أولئك الثلاثة في الإمارة، ثم اتفقوا على معاذ ابن جبل يصلّى بالناس، وكتبوا بالخبر إلى رسول الله ﷺ، وقد أطلعه الله على الخبر من ليلته، كما قال سيف بن عمر التميمي عن أبى القاسم الشنوى عن العلاء بن زيد عن ابن عمر: أتى الخبر إلى النبي ﷺ من السماء الليلة التي قتل فيها العنسيّ ليبشرنا، فقال:
قتل العنسيّ البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين، قيل: ومن؟ قال: فيروز فيروز، وقد قيل: إن مدة ملكه منذ ظهر إلى أن قتل ثلاثة أشهر، ويقال: أربعة أشهر، فالله أعلم * وقال سيف بن عمر عن المستنير عن عروة عن الضحاك عن فيروز: قال: قتلنا الأسود، وعاد أمرنا في صنعاء كما كان إلا أنا أرسلنا إلى معاذ بن جبل فتراضينا عليه، فكان يصلّى بنا في صنعاء، فو الله ما صلّى بنا إلا ثلاثة أيام حتى أتانا الخبر بوفاة رسول الله ﷺ، فانتقضت الأمور، وأنكرنا كثيرا مما كنا نعرف، واضطربت الأرض * وقد قدمنا أن خبر العنسيّ جاء إلى الصديق في أواخر ربيع الأول بعد ما جهز جيش أسامة، وقيل: بل جاءت البشارة إلى المدينة صبيحة توفى رسول الله ﷺ والأول أشهر والله أعلم * والمقصود أنه لم يجئهم فيما يتعلق بمصالحهم واجتماع كلمتهم وتأليف ما بينهم