للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ير مثلها قبلها قط وخرج خالد في تعبئة لم تعبها العرب قبل ذلك. فخرج في ستة وثلاثين كردوسا إلى الأربعين كل كردوس ألف رجل عليهم أمير، وجعل أبا عبيدة في القلب، وعلى الميمنة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان. وأمر على كل كردوس أميرا، وعلى الطلائع قباب بن أشيم، وعلى الأقباض عبد الله بن مسعود والقاضي يومئذ أبو الدرداء وقاصّهم الّذي يعظهم ويحثهم على القتال أبو سفيان بن حرب وقارئهم الّذي يدور على الناس فيقرأ سورة الأنفال وآيات الجهاد المقداد بن الأسود. وذكر إسحاق بن يسار باسناده أن أمراء الأرباع يومئذ كانوا أربعة، أبو عبيدة وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان، وخرج الناس على راياتهم وعلى الميمنة معاذ بن جبل وعلى الميسرة نفاثة بن أسامة الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبى وقاص، وعلى الخيالة خالد بن الوليد وهو المشير في الحرب الّذي يصدر الناس كلهم عن رأيه. ولما أقبلت الروم في خيلائها وفخرها قد سدت أقطار تلك البقعة سهلها ووعرها كأنهم غمامة سوداء يصيحون بأصوات مرتفعة ورهبانهم يتلون الإنجيل ويحثونهم على القتال، وكان خالد في الخيل بين يدي الجيش فساق بفرسه إلى أبى عبيدة فقال له: إني مشير بأمر، فقال: قل ما أمرك الله أسمع لك وأطيع. فقال له خالد إن هؤلاء القوم لا بدّ لهم من حملة عظيمة لا محيد لهم عنها، وإني أخشى على الميمنة والميسرة وقد رأيت أن أفرق الخيل فرقتين وأجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدموهم كانوا لهم ردءا فنأتيهم من ورائهم. فقال: له نعم ما رأيت. فكان خالد في أحد الخيلين من وراء الميمنة وجعل قيس بن هبيرة في الخيل الأخرى وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله لكي إذا رآه المنهزم استحى منه ورجع الى القتال، فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد أحد العشرة ، وساق خالد إلى النساء من وراء الجيش ومعهن عدد من السيوف وغيرها، فقال لهن: من رأيتموه موليا فاقتلنه، ثم رجع إلى موقفه .

ولما تراءى الجمعان وتبارز الفريقان وعظ أبو عبيدة المسلمين فقال: عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا فان الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار، ولا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بالقتال وشرعوا الرماح واستتروا بالدرق والزموا الصمت الا من ذكر الله في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله تعالى. قالوا: وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول يا أهل القرآن، ومتحفظى الكتاب وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتى الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق ألم تسمعوا لقول الله ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>