للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية. فاستحيوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم فرارا من عدوكم وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ولا عز بغيره.

وقال عمرو بن العاص: يا أيها المسلمون غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، واشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الاسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد، فو الّذي يرضى الصدق ويثيب عليه ويمقت الكذب ويجزى بالإحسان إحسانا، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل.

وقال أبو سفيان: يا معشر المسلمين أنتم العرب وقد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل نائين عن أمير المؤمنين وأمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده، شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوان الله غدا إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا وإنها سنة لازمة وان الأرض وراءكم، بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري، ليس لأحد فيها معقل ولا معدل إلا الصبر ورجاء ما وعد الله فهو خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون.

ثم ذهب إلى النساء فوصاهن ثم عاد فنادى: يا معاشر أهل الإسلام حضر ما ترون فهذا رسول الله والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم. ثم سار إلى موقفه .

وقد وعظ الناس أبو هريرة أيضا فجعل يقول: سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم ﷿ في جنات النعيم، ما أنتم إلى ربكم في موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا الموطن، ألا وإن للصابرين فضلهم. قال سيف بن عمر باسناده عن شيوخه: إنهم قالوا كان في ذلك الجمع ألف رجل من الصحابة منهم مائة من أهل بدر. وجعل أبو سفيان يقف على كل كردوس ويقول: الله الله إنكم دارة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم دارة الروم وأنصار الشرك، اللهمّ إن هذا يوم من أيامك، اللهمّ أنزل نصرك على عبادك. قالوا: ولما أقبل خالد من العراق قال رجل من نصارى العرب لخالد بن الوليد:

ما أكثر الروم وأقل المسلمين!! فقال خالد: ويلك، أتخوفنى بالروم؟ إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر برأ من توجعه، وأنهم أضعفوا في العدد - وكان فرسه قد حفا واشتكى في مجيئه من العراق - ولما تقارب الناس تقدم أبو عبيدة ويزيد بن أبى سفيان ومعهما ضرار بن الأزور، والحارث بن هشام، وأبو جندل بن سهيل، ونادوا: إنما نريد أميركم لنجتمع به، فأذن لهم في الدخول على تذارق، وإذا هو جالس في خيمة من حرير. فقال الصحابة:

لا نستحل دخولها، فأمر لهم بفرش بسط من حرير، فقالوا: ولا نجلس على هذه. فجلس معهم حيث

<<  <  ج: ص:  >  >>