وَقَدْ حَسَرَ لَهُمْ عَنْ جَبِينِهِ الشَّرِيفِ وَمَا يَحْوِيهِ مِنَ الْخَالِ فِيهِ الَّذِي يَعْرِفُونَ (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ. قالُوا) ١٢: ٨٩- ٩٠ وَتَعَجَّبُوا كُلَّ الْعَجَبِ وَقَدْ تَرَدَّدُوا إِلَيْهِ مِرَارًا عَدِيدَةً وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ هُوَ (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) ١٢: ٩٠ يَعْنِي أَنَا يُوسُفُ الَّذِي صَنَعْتُمْ مَعَهُ مَا صَنَعْتُمْ وَسَلَفَ مِنْ أَمْرِكُمْ فِيهِ مَا فَرَّطْتُمْ وقوله (وَهذا أَخِي) ١٢: ٩٠ تَأْكِيدٌ لِمَا قَالَ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا كَانُوا أضمروا لهما من الحسد وعملوا فِي أَمْرِهِمَا مِنَ الِاحْتِيَالِ وَلِهَذَا قَالَ (قَدْ من الله عَلَيْنا) ١٢: ٩٠ أَيْ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْنَا وَصَدَقَتِهِ عَلَيْنَا وَإِيوَائِهِ لَنَا وَشَدِّهِ مَعَاقِدَ عِزِّنَا وَذَلِكَ بِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ طاعة ربنا وَصَبْرِنَا عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ إِلَيْنَا وَطَاعَتِنَا وَبِرِّنَا لِأَبِينَا وَمَحَبَّتِهِ الشَّدِيدَةِ لَنَا وَشَفَقَتِهِ عَلَيْنَا (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنا) ١٢: ٩٠- ٩١ أَيْ فَضَّلَكَ وَأَعْطَاكَ مَا لَمْ يُعْطِنَا (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) ١٢: ٩١. أَيْ فِيمَا أَسْدَيْنَا إِلَيْكَ وَهَا نَحْنُ بَيْنَ يديك (قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) ١٢: ٩٢ أي لست أعاقبكم عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا ثم ذادهم على ذلك فقال (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ١٢: ٩٢.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ لَا تثريب عليكم وابتدأ بقوله اليوم يغفر الله لكم فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَذْهَبُوا بِقَمِيصِهِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ فَيَضَعُوهُ عَلَى عَيْنَيْ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَصَرُهُ بَعْدَ مَا كَانَ ذَهَبَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّاتِ وَأَكْبَرِ الْمُعْجِزَاتِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوا بِأَهْلِهِمْ أَجْمَعِينَ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ إِلَى الْخَيْرِ وَالدَّعَةِ وَجَمْعِ الشَّمْلِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَعْلَى الْأُمُورِ (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ. قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ. فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. قالُوا يَا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ. قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ١٢: ٩٤- ٩٨ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ سمعت ابن عباس يقول فلما فصلت العير قَالَ لَمَّا خَرَجَتِ الْعِيرُ هَاجَتْ رِيحٌ فَجَاءَتْ يعقوب بريح قميص يوسف (قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) ١٢: ٩٤ قَالَ فَوَجَدَ رِيحَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ. وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عَنْ أَبِي سِنَانٍ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ الْمَكِّيُّ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَمَانِينَ فَرْسَخًا وَكَانَ لَهُ مُنْذُ فَارَقَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً وقوله (لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) ١٢: ٩٤ أَيْ تَقُولُونَ إِنَّمَا قُلْتَ هَذَا مِنَ الْفَنَدِ وَهُوَ الْخَرَفُ وَكِبَرُ السِّنِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ تُفَنِّدُونِ تُسَفِّهُونِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا وَالْحَسَنُ تُهَرِّمُونِ (قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) ١٢: ٩٥ قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ قَالُوا لَهُ كَلِمَةً غَلِيظَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ١٢: ٩٦ أَيْ بِمُجَرَّدِ مَا جَاءَ أَلْقَى الْقَمِيصَ عَلَى وَجْهِ يَعْقُوبَ فَرَجَعَ مِنْ فَوْرِهِ بَصِيرًا بَعْدَ مَا كَانَ ضَرِيرًا وَقَالَ لِبَنِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute