للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو مخنف عن مجالد عن الشعبي : إن عمر بعث عتبة بن غزوان إلى أرض البصرة في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وسار إليه من الأعراب ما كمل معه خمسمائة، فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة، والبصرة يومئذ تدعى أرض الهند فيها حجارة بيض خشنة، وجعل يرتاد لهم منزلا حتى جاءوا حيال الجسر الصغير فإذا فيه حلفا وقصب نابت، فنزلوا. فركب إليهم صاحب الفرات في أربعة آلاف أسوار، فالتقاه عتبة بعد ما زالت الشمس، وأمر الصحابة فحملوا عليهم فقتلوا الفرس عن آخرهم، وأسروا صاحب الفرات، وقام عتبة خطيبا فقال في خطبته: إن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإنكم منتقلون منها إلى دار القرار، فانتقلوا عما بحضرتكم، فقد ذكر لي لو أن صخرة ألقيت من شفير جهنم هوت سبعين خريفا ولتملأنه، أو عجبتم؟ ولقد ذكر لي أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة، وأنا مع رسول الله ما لنا طعام إلا ورق السّمر، حتى تقرحت أشداقنا، والتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد، فما منا من أولئك السبعة من أحد إلا هو أمير على مصر من الأمصار، وسيجربون الناس بعدنا.

وهذا الحديث في صحيح مسلم بنحو من هذا السياق.

وروى على بن محمد المدائني أن عمر كتب إلى عتبة بن غزوان حين وجهه إلى البصرة: يا عتبة إني استعملتك على أرض الهند وهي حومة من حومة العدو، وأرجو أن يكفيك الله ما حولها، وأن يعينك عليها، وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرميّ يمدك بعرفجة بن هرثمة. فإذا قدم عليك فاستشره وقربه، وادع إلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبى فالجزية عن صغار وذلة، وإلا فالسيف في غير هوادة، واتّق الله فيما وليت، وإياك أن تنازعك نفسك إلى كبر فتفسد عليك آخرتك، وقد صحبت رسول الله فعززت بعد الذلة، وقويت بعد الضعف، حتى صرت أميرا مسلطا، وملكا مطاعا، تقول فيسمع منك، وتأمر فيطاع أمرك، فيا لها نعمة إذا لم ترق فوق قدرك، وتبطر على من دونك، احتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية، وهي أخوفهما عندي عليك أن يستدرجك ويخدعك فتسقط سقطة فتصير بها إلى جهنم، أعيذك بالله ونفسي من ذلك، إن الناس أسرعوا إلى الله حتى رفعت لهم الدنيا فأرادوها، فأرد الله ولا ترد الدنيا، واتّق مصارع الظالمين.

وقد فتح عتبة الأيلة في رجب أو شعبان من هذه السنة. ولما مات عتبة بن غزوان في هذه السنة استعمل عمر على البصرة المغيرة بن شعبة سنتين، فلما رمى بما رمى به عزله وولى عليها أبا موسى الأشعري . وفي هذه السنة ضرب عمر بن الخطاب ابنه عبيد الله في الشراب هو وجماعة معه، وفيها ضرب أبا محجن الثقفي في الشراب أيضا سبع مرات، وضرب معه ربيعة بن أمية بن

<<  <  ج: ص:  >  >>