بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا أفواجا. فخرجوا منه كما قال سلمان لم يغرق منهم أحد، ولم يفقدوا شيئا.
ولما استقل المسلمون على وجه الأرض خرجت الخيول تنفض أعرافها صاهلة، فساقوا وراء الأعاجم حتى دخلوا المدائن، فلم يجدوا بها أحدا، بل قد أخذ كسرى أهله وما قدروا عليه من الأموال والأمتعة والحواصل وتركوا ما عجزوا عنه من الأنعام والثياب والمتاع، والآنية والالطاف والادهان ما لا يدرى قيمته. وكان في خزانة كسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف دينار ثلاث مرات فأخذوا من ذلك ما قدروا عليه وتركوا ما عجزوا عنه وهو مقدار النصف من ذلك أو ما يقاربه.
فكان أول من دخل المدائن كتيبة الأهوال ثم الكتيبة الخرساء، فأخذوا في سككها لا يلقون أحدا ولا يخشونه غير القصر الأبيض ففيه مقاتلة وهو محصن.
فلما جاء سعد بالجيش دعا أهل القصر الأبيض ثلاثة أيام على لسان سلمان الفارسي، فلما كان اليوم الثالث نزلوا منه وسكنه سعد واتخذ الإيوان مصلى، وحين دخله تلا قوله تعالى ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ * كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ﴾ ثم تقدم إلى صدره فصلى ثمان ركعات صلاة الفتح، وذكر سيف في روايته أنه صلاها بتسليمة واحدة وأنه جمع بالايوان في صفر من هذه السنة فكانت أول جمعة جمعت بالعراق، وذلك لأن سعدا نوى الاقامة بها، وبعث إلى العيالات فأنزلهم دون المدائن واستوطنوها، حتى فتحوا جلولاء وتكريت والموصل، ثم تحولوا الى الكوفة بعد ذلك كما سنذكره. ثم أرسل السرايا في إثر كسرى يزدجرد فلحق بهم طائفة فقتلوهم وشردوهم واستلبوا منهم أموالا عظيمة. وأكثر ما استرجعوا من ملابس كسرى وتاجه وحليه. وشرع سعد في تحصيل ما لك من الأموال والحواصل والتحف، مما لا يقوم ولا يحد ولا يوصف كثرة وعظمة. وقد روينا أنه كان هناك تماثيل من جص فنظر سعد إلى أحدها وإذا هو يشير بإصبعه إلى مكان، فقال سعد: إن هذا لم يوضع هكذا سدى، فأخذوا ما يسامت إصبعه فوجدوا قبالتها كنزا عظيما من كنوز الأكاسرة الأوائل، فأخرجوا منه أموالا عظيمة جزيلة، وحواصل باهرة، وتحفا فاخرة. واستحوذ المسلمون على ما لك أجمع مما لم ير أحد في الدنيا أعجب منه. وكان في جملة ذلك تاج كسرى وهو مكلل بالجواهر النفيسة التي تحير الأبصار، ومنطقته كذلك وسيفه وسواره وقباؤه وبساط إيوانه، وكان مربعا ستون ذراعا في مثلها، من كل جانب، والبساط مثله سواء، وهو منسوج بالذهب واللآلئ والجواهر الثمينة، وفيه مصور جميع ممالك كسرى، بلاده بأنهارها وقلاعها، وأقاليمها، وكنوزها، وصفة الزروع والأشجار التي في بلاده. فكان إذا جلس على كرسي مملكته ودخل تحت تاجه، وتاج معلق بسلاسل الذهب، لأنه كان لا يستطيع أن يقله