للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على رأسه لثقله، بل كان يجيء فيجلس تحته ثم يدخل رأسه تحت التاج والسلاسل الذهب تحمله عنه، وهو يستره حال لبسه فإذا رفع الحجاب عنه خرت له الأمراء سجودا. وعليه المنطقة والسواران والسيف والقباء المرصع بالجواهر فينظر في البلدان واحدة واحدة، فيسأل عنها ومن فيها من النواب، وهل حدث فيها شيء من الأحداث؟ فيخبره بذلك ولاة الأمور بين يديه. ثم ينتقل الى الأخرى، وهكذا حتى يسأل عن أحوال بلاده في كل وقت لا يهمل أمر المملكة، وقد وضعوا هذا البساط بين يديه تذكارا له بشأن الممالك، وهو إصلاح جيد منهم في أمر السياسة. فلما جاء قدر الله زالت تلك الأيدي عن تلك الممالك والأراضي وتسلمها المسلمون من أيديهم قسرا، وكسروا شوكتهم عنها وأخذوها بأمر الله صافية ضافية، ولله الحمد والمنة. وقد جعل سعد بن أبى وقاص على الأقباض عمرو بن عمرو بن مقرن فكان أول ما حصل ما كان في القصر الأبيض ومنازل كسرى، وسائر دور المدائن، وما كان بالايوان مما ذكرنا، وما يفد من السرايا الذين في صحبة زهرة بن حوية، وكان فيما رد زهرة بغل كان قد أدركه وغصبه من الفرس وكانت تحوطه بالسيوف فاستنقذه منهم وقال إن لهذا لشأنا فرده إلى الأقباض وإذا عليه سفطان فيهما ثياب كسرى وحليه، ولبسه الّذي كان يلبسه على السرير كما ذكرنا، وبغل آخر عليه تاجه الّذي ذكرنا في سفطين أيضا ردا من الطريق مما استلبه أصحاب السرايا، وكان فيما ردت السرايا أموال عظيمة وفيها أكثر أناث كسرى وأمتعته والأشياء النفيسة التي استصحبوها معهم، فلحقهم المسلمون فاستلبوها منهم. ولم تقدر الفرس على حمل البساط لثقله عليهم، ولا حمل الأموال لكثرتها. فإنه كان المسلمون يجيئون بعض تلك الدور فيجدون البيت ملآنا إلى أعلاه من أواني الذهب والفضة، ويجدون من الكافور شيئا كثيرا، فيحسبونه ملحا، وربما استعمله بعضهم في العجين فوجدوه مرا حتى تبينوا أمره فتحصل الفيء على أمر عظيم من الأموال، وشرع سعد فخمسه وأمر سلمان الفارسي فقسم الأربعة الأخماس بين الغانمين، فحصل لكل واحد من الفرسان اثنتي عشر ألفا، وكانوا كلهم فرسانا، ومع بعضهم جنائب، واستوهب سعد أربعة أخماس البساط ولبس كسرى من المسلمين، ليبعثه إلى عمرو المسلمين بالمدينة لينظروا إليه ويتعجبوا منه، فطيبوا له ذلك وأذنوا فيه، فبعثه سعد إلى عمر مع الخمس مع بشير بن الخصاصية، وكان الّذي بشر بالفتح قبله حليس بن فلان الأسدي، فروينا أن عمر لما نظر إلى ذلك قال إن قوما أدوا هذا لأمناء، فقال له على بن أبى طالب: إنك عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعت. ثم قسم عمر ذلك في المسلمين فأصاب عليا قطعة من البساط فباعها بعشرين ألفا، وقد ذكر سيف بن عمر أن عمر بن الخطاب ألبس ثياب كسرى لخشبة ونصبها أمامه ليرى الناس ما في هذه الزينة من العجب، وما عليها من زهرة الحياة الدنيا الفانية. وقد روينا أن عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>