للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأرسل يده وقال: قم إلى يا عثمان، فأخذ بيده فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبى بكر وعمر؟ قال: اللهمّ نعم! قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال اللهمّ اسمع واشهد، اللهمّ اسمع واشهد، اللهمّ اسمع واشهد، اللهمّ إني قد خلعت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان. قال وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه تحت المنبر، قال فقعد عبد الرحمن مقعد النبي وأجلس عثمان تحته على الدرجة الثانية، وجاء إليه الناس يبايعونه، وبايعه على بن أبى طالب أولا، ويقال آخرا. وما يذكره كثير من المؤخرين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن عليا قال لعبد الرحمن خدعتني، وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكأ حتى قال له عبد الرحمن (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما) إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصحاح فهي مردودة على قائليها وناقليها والله أعلم.

والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها، ومستقيمها وسقيمها، ومبادها وقويمها، والله الموفق للصواب. وقد اختلف علماء السير في اليوم الّذي بويع فيه لعثمان بن عفان ، فروى الوقدى عن شيوخه أنه بويع يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين، وهذا غريب جدا. وقد روى الواقدي أيضا عن ابن جرير عن ابن أبى مليكة قال:

بويع لعثمان بن عفان لعشر خلون من المحرم بعد مقتل عمر بثلاث ليال، وهذا أغرب من الّذي قبله، وكذا روى سيف بن عمر عن عامر الشعبي أنه قال: أجتمع أهل الشورى على عثمان لثلاث خلون من المحرم سنة أربع وعشرين، وقد دخل وقت العصر وقد أذن مؤذن صهيب، واجتمع الناس بين الأذان والإقامة فخرج فصلى بهم العصر. وقال سيف عن خليفة بن زفر ومجالد قالا: استخلف عثمان لثلاث خلون من المحرم سنة ثلاث وعشرين فخرج فصلى بالناس العصر، وزاد الناس - يعنى في أعطياتهم - مائة، ووفد أهل الأمصار، وهو أول من صنع ذلك. قلت: ظاهر ما ذكرناه من سياق بيعته يقتضي أن ذلك كان قبل الزوال، لكنه لما بايعه الناس في المسجد ذهب به إلى دار الشورى على ما تقدم فيها من الخلاف، فبايعه بقية الناس، وكأنه لم يتم البيعة إلا بعد الظهر وصلى صهيب يومئذ الظهر في المسجد النبوي وكان أول صلاة صلاها الخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان بالمسلمين صلاة العصر، كما ذكره الشعبي وغيره. وأما أول خطبة خطبها بالمسلمين فروى سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه قال لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة فأتى منبر النبي فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ، وقال: إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار،

<<  <  ج: ص:  >  >>