للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عجز ينسب إليه إذا لم يكن قد اطلع عليه وزور على لسانه؟ وليس هو بمعصوم بل الخطأ والغفلة جائزان عليه ، وإنما هؤلاء الجهلة البغاة متعنتون خونة، ظلمة مفترون، ولهذا صمموا بعد هذا على حصره والتضييق عليه، حتى منعوه الميرة والماء والخروج إلى المسجد، وتهددوه بالقتل، ولهذا خاطبهم بما خاطبهم به من توسعة المسجد وهو أول من منع منه، ومن وقفه بئر رومة على المسلمين وهو أول من منع ماءها، ومن أنه

أسمع رسول الله يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة» وذكر أنه لم يقتل نفسا، ولا ارتد بعد إيمانه، ولا زنى في جاهلية ولا إسلام، بل ولا مس فرجه بيمينه بعد أن بايع بها رسول الله ، وفي رواية بعد أن كتب بها المفصل. ثم ذكر لهم من فضائله ومناقبه ما لعله ينجع فيهم بالكف عنه والرجوع إلى الطاعة لله ولرسوله ولأولى الأمر منهم، فأبوا إلا الاستمرار على ما هم عليه من البغي والعدوان، ومنعوا الناس من الدخول إليه والخروج من عنده، حتى اشتد عليه الحال، وضاق المجال، ونفد ما عنده من الماء، فاستغاث بالمسلمين في ذلك فركب على بنفسه وحمل معه قربا من الماء فبالجهد حتى أوصلها إليه بعد ما ناله من جهله أولئك كلام غليظ، وتنفير لدابته، وإخراق عظيم بليغ، وكان قد زجرهم أتم الزجر، حتى قال لهم فيما قال: والله إن فارس والروم لا يفعلون كفعلكم هذا بهذا الرجل، والله إنهم ليأسرون فيطعمون ويسقون، فأبوا أن يقبلوا منه حتى رمى بعمامته في وسط الدار. وجاءت أم حبيبة راكبة بغلة وحولها حشمها وخدمها، فقالوا، ما جاء بك؟ فقالت: إن عنده وصايا بنى أمية، لأيتام وأرامل، فأحببت أن أذكره بها، فكذبوها في ذلك ونالها منهم شدة عظيمة، وقطعوا حزام البغلة وندّت بها، وكادت أو سقطت عنها، وكادت تقتل لولا تلاحق بها الناس فأمسكوا بدابتها، ووقع أمر كبير جدا، ولم يبق يحصل لعثمان وأهله من الماء إلا ما يوصله إليهم آل عمرو بن حزم في الخفية ليلا، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾.

ولما وقع هذا أعظمه الناس جدا، ولزم أكثر الناس بيوتهم، وجاء وقت الحج فخرجت أم المؤمنين عائشة في هذه السنة إلى الحج، فقيل لها: إنك لو أقمت كان أصلح، لعل هؤلاء القوم يهابونك، فقالت: إني أخشى أن أشير عليهم برأي فينالنى منهم من الأذية ما نال أم حبيبة، فعزمت على الخروج. واستخلف عثمان في هذه السنة على الحج عبد الله بن عباس، فقال له عبد الله ابن عباس: إن مقامي على بابك أحاجف عنك أفضل من الحج. فعزم عليه، فخرج بالناس إلى الحج واستمر الحصار بالدار حتى مضت أيام التشريق ورجع اليسير من الحج، فأخبر بسلامة الناس، وأخبر أولئك بأن أهل الموسم عازمون على الرجوع إلى المدينة ليكفوكم عن أمير المؤمنين. وبلغهم

<<  <  ج: ص:  >  >>