للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما بينهم على أن يقترعوا فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتحفظوا منه. فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس فلم يسمحوا به فاعادوها ثانية فوقعت عليه أيضا فشمر ليخلع ثيابه ويلقى بنفسه فأبوا عليه ذلك. ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضا لما يريده الله به من الأمر العظيم. قال الله تعالى ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾. وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر وبعث الله ﷿ حوتا عظيما من البحر الأخضر فالتقمه وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحما ولا يهشم له عظما فليس لك برزق فأخذه فطاف به البحار كلها وقيل إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه * قالوا ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي فخر لله ساجدا وقال يا رب اتخذت لك مسجدا لم يعبدك أحد في مثله وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه. فقال مجالد عن الشعبي التقمه ضحى ولفظه عشية * وقال قتادة مكث فيه ثلاثا وقال جعفر الصادق سبعة أيام ويشهد له شعر أمية بن أبى الصلت.

وأنت بفضل منك نجيت يونسا … وقد بات في أضعاف حوت لياليا

وقال سعيد بن أبى الحسن وأبو مالك مكث في جوفه أربعين يوما والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية ويقتحم به لجج الموج الأجاجى فسمع تسبيح الحيتان للرحمن وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى ورب السموات السبع والأرضين السبع وما بينها وما تحت الثرى * فعند ذلك وهنالك قال ما قال بلسان الحال والمقال كما أخبر عنه ذو العزة والجلال الّذي يعلم السر والنجوى ويكشف الضر والبلوى سامع الأصوات وان ضعفت وعالم الخفيات وان دقت ومجيب الدعوات وان عظمت حيث قال في كتابه المبين المنزل على رسوله الأمين وهو أصدق القائلين ورب العالمين وإله المرسلين ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ﴾ الى أهله ﴿مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾. ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أن نضيق * وقيل معناه نقدر من التقدير وهي لغة مشهورة قدر وقدّر كما قال الشاعر.

فلا عائد ذاك الزمان الّذي مضى … تباركت ما يقدر يكن فلك الأمر

﴿فَنادى فِي الظُّلُماتِ﴾ قال ابن مسعود وابن عباس وعمرو بن ميمون وسعيد بن جبير ومحمد ابن كعب والحسن وقتادة والضحاك ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل وقال سالم بن أبى الجعد ابتلع الحوت حوت آخر فصار ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر. وقوله تعالى ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ قيل معناه لولا أنه سبح الله هنالك وقال ما قال من التهليل والتسبيح

<<  <  ج: ص:  >  >>