فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتَرِعُوا فَمَنْ وَقَعَتْ عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتحفظوا مِنْهُ. فَلَمَّا اقْتَرَعُوا وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ يُونُسَ فَلَمْ يَسْمَحُوا بِهِ فَأَعَادُوهَا ثَانِيَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا فَشَمَّرَ لِيَخْلَعَ ثِيَابَهُ وَيُلْقِيَ بِنَفْسِهِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ ذَلِكَ. ثُمَّ أَعَادُوا الْقُرْعَةَ ثَالِثَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ٣٧: ١٣٩- ١٤٢. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُوتًا عَظِيمًا مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ فَالْتَقَمَهُ وَأَمَرَهُ اللَّهُ تعالى أن لا يأكل له لحما ولا يهشم لَهُ عَظْمًا فَلَيْسَ لَكَ بِرِزْقٍ فَأَخْذَهُ فَطَافَ بِهِ الْبِحَارَ كُلَّهَا وَقِيلَ إِنَّهُ ابْتَلَعَ ذَلِكَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ أَكْبَرُ مِنْهُ قَالُوا وَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِ الْحُوتِ حَسِبَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَحَرَّكَ جَوَارِحَهُ فَتَحَرَّكَتْ فَإِذَا هُوَ حَيٌّ فَخَرَّ للَّه سَاجِدًا وَقَالَ يَا رَبِّ اتَّخَذْتُ لَكَ مَسْجِدًا لَمْ يَعْبُدْكَ أَحَدٌ فِي مَثَلِهِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ لُبْثِهِ فِي بَطْنِهِ. فَقَالَ مَجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ الْتَقَمَهُ ضُحًى وَلَفَظَهُ عَشِيَّةً وَقَالَ قَتَادَةُ مَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَيَشْهَدُ لَهُ شِعْرُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ.
وَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْكَ نجيت يونسا ... وقد بات في أضعاف حوت لَيَالِيَا
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَأَبُو مَالِكٍ مَكَثَ فِي جَوْفِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مِقْدَارُ مَا لَبِثَ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ الْحُوتُ يَطُوفُ بِهِ فِي قَرَارِ الْبِحَارِ اللُّجِّيَّةِ وَيَقْتَحِمُ بِهِ لُجَجَ الْمَوْجِ الْأُجَاجِيِّ فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الْحِيتَانِ لِلرَّحْمَنِ وَحَتَّى سَمِعَ تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى ورب السموات السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى فَعِنْدَ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ قَالَ مَا قَالَ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْمَقَالِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ ذُو الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى سَامِعُ الْأَصْوَاتِ وَإِنْ ضَعُفَتْ وَعَالِمُ الْخِفْيَاتِ وَإِنْ دَقَّتْ وَمُجِيبُ الدَّعَوَاتِ وَإِنْ عَظُمَتْ حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِهِ الْأَمِينِ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وإله المرسلين (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ) ٢١: ٨٧ الى أهله (مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ من الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ٢١: ٨٧- ٨٨. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ٢١: ٨٧ أن نُضَيِّقَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ نُقَدِّرُ مِنَ التَّقْدِيرِ وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ قَدَرَ وَقَدَّرَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.
فَلَا عَائِدٌ ذَاكَ الزَّمَانُ الَّذِي مَضَى ... تَبَارَكْتَ ما يقدر يكن فلك الأمر
(فَنادى في الظُّلُماتِ) ٢١: ٨٧ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ ميمون وسعيد بن جبير ومحمد ابن كعب والحسن وقتادة والضحاك ظلمة الْحُوتِ وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ ابْتَلَعَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ فَصَارَ ظُلْمَةُ الْحُوتَيْنِ مَعَ ظُلْمَةِ الْبَحْرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ٣٧: ١٤٣- ١٤٤ قِيلَ مَعْنَاهُ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَّحَ اللَّهَ هُنَالِكَ وقال ما قال من التهليل والتسبيح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute