للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدانهم الذكور وخشي أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار فيصيرون هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون فامر فرعون بقتل الأبناء عاما وأن يتركوا عاما فذكروا أن هارون ولد في عام المسامحة عن قتل الأبناء وأن موسى ولد في عام قتلهم فضاقت أمه به ذرعا واحترزت من أول ما حبلت ولم يكن يظهر عليها مخائيل الحبل. فلما وضعت ألهمت أن اتخذت له تابوتا فربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل فكانت ترضعه فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها فإذا ذهبوا استرجعته اليها به. قال الله تعالى ﴿وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ * وَقالَتِ اِمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ هذا الوحي وحي الهام وإرشاد كما قال تعالى ﴿وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اِتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً﴾ الآية وليس هو بوحي نبوة كما زعمه ابن حزم وغير واحد من المتكلمين بل الصحيح الأول كما حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة.

قال السهيليّ واسم أم موسى أيارخا. وقيل أياذخت (١) * والمقصود أنها أرشدت الى هذا الّذي ذكرناه والقى في خلدها وروعها أن لا تخافي ولا تحزني فإنه ان ذهب فان الله سيرده إليك وان الله سيجعله نبيا مرسلا يعلى كلمته في الدنيا والآخرة فكانت تصنع ما أمرت به فارسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ قال الله تعالى ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً﴾ قال بعضهم هذه لام العاقبة وهو ظاهر ان كان متعلقا بقوله فالتقطه * وأما ان جعل متعلقا بمضمون الكلام وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدوا وحزنا صارت اللام معللة كغيرها والله أعلم * ويقوى هذا التقدير الثاني قوله ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ﴾ وهو الوزير السوء ﴿وَجُنُودَهُما﴾ المتابعين لهما ﴿كانُوا خاطِئِينَ﴾ أي كانوا على خلاف الصواب فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة.

وذكر المفسرون أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه فلم يتجاسرن على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الّذي كان فرعون مصر في زمن يوسف * وقيل انها كانت من بنى إسرائيل من سبط موسى * وقيل بل كانت عمته حكاه السهيليّ فالله أعلم وسيأتي مدحها والثناء عليها في قصة مريم بنت عمران وأنهما يكونان يوم القيامة من أزواج رسول


(١) والّذي في تفسير القرطبي عن الثعلبي لوخا بنت هاند بن لاوا بن يعقوب. وفي بعض التفاسير اسمها (يوحانذ).

<<  <  ج: ص:  >  >>