للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى في الجنة * فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبويّة والجلالة الموسوية فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديدا جدا * فلما جاء فرعون قال ما هذا وأمر بذبحه فاستوهبته منه ودفعت عنه (وقالت ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ فقال لها فرعون أما لك فنعم وأمالى فلا أي لا حاجة لي به (والبلاء موكل بالمنطق). وقولها ﴿عَسى أَنْ يَنْفَعَنا﴾ وقد أنالها الله ما رجت من النفع أما في الدنيا فهداها الله به وأما في الآخرة فأسكنها جنته بسببه ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ وذلك أنهما تبنياه لأنه لم يكن يولد لهما ولد. قال الله تعالى ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أي لا يدرون ماذا يريد الله بهم أن قيضهم لالتقاطه من النقمة العظيمة بفرعون وجنوده. ﴿وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ * فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم ﴿وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً﴾ أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى إن كادت لتبدي به أي لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة ﴿لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها﴾ أي صبرناها وثبتناها ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقالت لأخته وهي ابنتها الكبيرة قصيه أي اتبعى أثره واطلبى له خبره فبصرت به عن جنب * قال مجاهد عن بعد * وقال قتادة جعلت تنظر اليه وكأنها لا تريده * ولهذا قال ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ وذلك لأن موسى لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة فلم يقبل ثديا ولا أخذ طعاما فحاروا في أمره واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن فلم يفعل. كما قال تعالى ﴿وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ فأرسلوه مع القوابل والنساء الى السوق لعل يجدون من يوافق رضاعته فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت به أخته فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ﴾ * قال ابن عباس لما قالت ذلك قالوا لها ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه فقالت رغبة في صهر الملك ورجاء منفعته فأطلقوها وذهبوا معها الى منزلهم فأخذته أمه فلما أرضعته التقم ثديها وأخذ يمتصه ويرتضعه ففرحوا بذلك فرحا شديدا وذهب البشير الى آسية يعلمها بذلك فاستدعتها الى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها وأن تحسن اليها فأبت عليها وقالت إن لي بعلا وأولادا ولست أقدر على هذا إلا أن ترسليه معى فارسلته معها ورتبت لها رواتب وأجرت عليها النفقات والكساوى والهبات فرجعت به تحوزه الى رحلها وقد جمع الله شمله بشملها. قال الله تعالى ﴿فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ أي كما وعدناها برده ورسالته فهذا رده وهو دليل على صدق البشارة برسالته ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ وقد امتن الله على موسى بهذا ليلة كلمه فقال له فيما قال له ﴿وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى * إِذْ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>