للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه منعه القراء مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَقَالُوا: لَا نَرْضَى إِلَّا بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَذَكَرَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِ الْخَوَارِجِ لَهُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَشَارَ بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَتَابَعَهُ أهل اليمن، ووصفوه أنه كَانَ يَنْهَى النَّاسَ عَنِ الْفِتْنَةِ وَالْقِتَالِ، وَكَانَ أَبُو مُوسَى قَدِ اعْتَزَلَ فِي بَعْضِ أَرْضِ الْحِجَازِ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنِّي أَجْعَلُ الْأَشْتَرَ حَكَمًا، فقالوا: وهل سعر الحرب وشعر الْأَرْضَ إِلَّا الْأَشْتَرُ؟ قَالَ:

فَاصْنَعُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَالَ الْأَحْنَفُ لِعَلِيٍّ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَمَيْتَ بِحَجَرٍ إنه لا يصلح هؤلاء الْقَوْمِ إِلَّا رَجُلٌ مِنْهُمْ، يَدْنُو مِنْهُمْ حَتَّى يصير في أكفهم، ويبتعد حَتَّى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ النَّجْمِ، فَإِنْ أَبَيْتَ أَنْ تجعلني حكما فاجعلني ثانيا وثالثا، فإنه لن يعقد عقدة إلا أحلها، وَلَا يَحُلَّ عُقْدَةً عَقَدْتُهَا إِلَّا عَقَدْتُ لَكَ أُخْرَى مِثْلَهَا أَوْ أَحْكَمَ مِنْهَا. قَالَ: فَأَبَوْا إِلَّا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَذَهَبَتِ الرُّسُلُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ- وَكَانَ قَدِ اعْتَزَلَ- فَلَمَّا قِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اصْطَلَحُوا قَالَ: الْحَمْدُ للَّه، قِيلَ لَهُ: وَقَدْ جُعِلْتَ حَكَمًا، فَقَالَ: إِنَّا للَّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ أَخَذُوهُ حَتَّى أَحْضَرُوهُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا هَذِهِ صُورَتُهُ.

بِسْمِ الله الرحمن الرحيم هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: اكْتُبِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ، هُوَ أَمِيرُكُمْ وَلَيْسَ بِأَمِيرِنَا، فَقَالَ الْأَحْنَفُ: لَا تَكْتُبْ إِلَّا أَمِيرَ المؤمنين، فقال على: امح أمير المؤمنين وَاكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ عَلِيٌّ بِقِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ حين امتنع أهل مكة هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَامْتَنَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا: اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فكتب الكاتب: هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَاضَى عَلِيٌّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ شِيعَتِهِمْ وَالْمُسْلِمِينَ، وَقَاضَى مُعَاوِيَةُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ إِنَّا نَنْزِلُ عند حكم الله وكتابه ونحيى ما أحيى الله، وَنُمِيتُ مَا أَمَاتَ اللَّهُ فَمَا وَجَدَ الْحَكَمَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ- وَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ- عَمِلَا بِهِ وَمَا لَمْ يَجِدَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَالسُّنَّةُ الْعَادِلَةُ الْجَامِعَةُ غَيْرُ الْمُتَفَرِّقَةِ ثُمَّ أَخَذَ الْحَكَمَانِ مِنْ عَلِيٍّ ومعاوية ومن الجندين العهود والمواثيق أَنَّهُمَا آمِنَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَهْلِهِمَا، وَالْأُمَّةُ لَهُمَا أنصار على الذين يتقاضيان عليه، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كِلَيْهِمَا عَهْدُ الله وميثاقه أنهما عَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَأَجَّلَا الْقَضَاءَ إِلَى رَمَضَانَ وَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يُؤَخِّرَا ذَلِكَ عَلَى تَرَاضٍ مِنْهُمَا، وَكُتِبَ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، عَلَى أَنْ يُوَافِيَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ مَوْضِعَ الْحَكَمَيْنِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَمَضَانَ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا لِذَلِكَ اجْتَمَعَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بأذرح، وقد ذكر الهيثم في كتابه في الْخَوَارِجِ أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالْكِتَابِ وَفِيهِ: «هَذَا مَا قَاضَى عبد الله على

<<  <  ج: ص:  >  >>