للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْبُحَيْرَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنَ الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّيُولِ وَهِيَ الْبَطَائِحُ وَذَكَرُوا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَنْهَارِ الْمَشْهُورَةِ الْكِبَارِ، وَذَكَرُوا ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا وَلَسْنَا بِصَدَدِ بَسْطِ ذَلِكَ وَالتَّطْوِيلِ فِيهِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَنْهَارِ الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ١٤: ٣٢- ٣٤ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ فَإِذَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَأَمَّا الْبَاطِنَانِ ففي الجنة وأما الظاهر ان فالنيل والفرات وفي لفظ في البخاري وعنصرهما أَيْ مَادَّتُهُمَا أَوْ شَكْلُهُمَا وَعَلَى صِفَتِهِمَا وَنَعْتِهِمَا وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إِلَّا سماوية [١] وفي صَحِيحِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَيَزِيدُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ الْفُرَاتُ وَالنِّيلُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ» وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَكَأَنَّ الْمُرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ تُشْبِهُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ فِي صَفَائِهَا وَعُذُوبَتِهَا وَجَرَيَانِهَا وَمِنْ جِنْسِ تِلْكَ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ» أَيْ تُشْبِهُ ثَمَرَ الْجَنَّةِ لَا أَنَّهَا مُجْتَنَاةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْحِسَّ يَشْهَدُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ وَكَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الحمى من فيح جهنم فأبرودها بالماء» وكذا قوله «إذا اشتد الحمى فأبردوها بالماء فان شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَهَكَذَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ أَصْلُ مَنْبَعِهَا مُشَاهَدٌ مِنَ الْأَرْضِ أَمَّا النِّيلُ. وَهُوَ النَّهْرُ الَّذِي لَيْسَ فِي أَنْهَارِ الدُّنْيَا لَهُ نَظِيرٌ فِي خِفَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ وَبُعْدِ مسراه فيما بين مبتدئه إِلَى مُنْتَهَاهُ فَمُبْتَدَاهُ مِنَ الْجِبَالِ الْقُمْرِ [٢] أَيِ الْبِيضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ جِبَالُ الْقَمَرِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْكَوْكَبِ وَهِيَ فِي غَرْبِيِّ الْأَرْضِ وَرَاءَ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ إِلَى الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ. وَيُقَالُ إِنَّهَا حمر ينبع من بينها عيون ثم يجتمع من عشر مسيلات متباعدة. ثم يجتمع كل خمسة منها في بحر. ثم يخرج منها أنهار ستة. ثم يجتمع كُلُّهَا فِي بُحَيْرَةٍ أُخْرَى. ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا نَهْرٌ وَاحِدٌ هُوَ النِّيلُ فَيَمُرُّ عَلَى بِلَادِ السودان


[١] كذا بالأصول
[٢] هذا يؤيد قول الثقات الّذي نقلناه عن الأستاذ زكى پاشا فيما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>