للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحبشه ثم على النوبة ومدينتها العظمى دمقلة (١) ثم على أسوان ثم يفد على ديار مصر. وقد تحمل اليها من بلاد الحبشة زيادات أمطارها واجترف من ترابها وهي محتاجة اليهما معا لان مطرها قليل لا يكفى زروعها وأشجارها. وتربتها رمال لا تنبت شيئا حتى يجيء النيل بزيادته وطينه فينبت فيه ما يحتاجون اليه وهي من أحق الأراضي بدخولها في قوله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾ ثم يجاوز النيل مصر قليلا فيفترق شطرين عند قرية على شاطئه يقال لها شطنوف فيمر الغربي على رشيد ويصب في البحر المالح * واما الشرقي فتفترق أيضا عند جوجر فرقتين تمر الغربية منهما على دمياط من غربيها ويصب في البحر والشرقية منهما تمر على أشمون (٢) طناح فيصب هناك في بحيرة شرقى دمياط. يقال لها بحيرة تنيس وبحيرة دمياط.

وهذا بعد عظيم فيما بين مبتدئه الى منتهاه. ولهذا كان ألطف المياه * قال ابن سينا له خصوصيات دون مياه سائر الأرض * فمنها انه أبعدها مسافة من مجراه الى أقصاه. ومنها أنه يجرى على صخور ورمال ليس فيه خز ولا طحلب ولا أوحال ومنها أنه لا يخضر فيه حجر ولا حصاة وما ذاك الا لصحة مزاجه وحلاوته ولطافته. ومنها ان زيادته في أيام نقصان سائر الأنهار. ونقصانه في أيام زيادتها وكثرتها وأما ما يذكره بعضهم من أن أصل منبع النيل من مكان مرتفع اطلع عليه بعض الناس فرأى هناك هولا عظيما وجواري حسانا وأشياء غريبة وأن الّذي اطلع على ذلك لا يمكنه الكلام بعد هذا فهو من خرافات المؤرخين وهذيانات الأفاكين * وقد قال عبد الله بن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال «لما فتح عمرو بن عاص مصر أتى أهلها اليه حين دخل شهر بؤنة من أشهر العجم (القبطية) فقالوا (أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجرى إلا بها فقال لهم وما ذاك قالوا إذا كان لثنتى عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا الى جارية بكر بين أبويها فارضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو ان هذا لا يكون في الإسلام وان الإسلام يهدم ما قبله فأقاموا بؤنة والنيل لا يجرى لا قليلا ولا كثيرا * وفي رواية فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى وهو لا يجرى حتى هموا بالجلاء. فكتب عمرو الى عمر بن الخطاب بذلك فكتب اليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلت وانى قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها «من عبد الله عمر أمير المؤمنين الى نيل مصر (أما بعد) فان كنت تجرى من قبلك فلا تجر وان كان الله الواحد القهار هو الّذي يجريك فنسأل الله أن يجريك (٣) فالقى عمرو البطاقة في النيل فأصبح يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا


(١) المعروفة الآن باسم دنقلة بطريق التحريف *
(٢) كذا بالأصول وفي معجم البلدان (اشموم طناح).
(٣) قوله فالقى عمرو البطاقة في النيل إلخ الّذي في حسن المحاضرة للسيوطي فالقى عمر البطاقة في

<<  <  ج: ص:  >  >>