للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلاماً كثيراً. فلما قام معاوية اتكأ على ذكوان وقال: والله ما سمعت خطيباً ليس رسول الله أبلغ من عائشة. وقال محمد بن سعد: حدثنا خالد بن مخلد البجلي ثنا سليمان بن بلال حدثني علقمة ابن أبى علقمة عن أمه. قالت: قدم معاوية بن أبى سفيان المدينة فأرسل إلى عائشة: أن أرسلي بانبجانية رسول الله وشعره، فأرسلت به معى أحمله، حتى دخلت به عليه، فأخذ الانبجانية فلبسها، وأخذ شعره فدعا بماء فغسله وشربه وأفاض على جلده. وقال الأصمعي عن الهذلي عن الشعبي قال: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقته رجال من وجوه قريش فقالوا: الحمد لله الّذي أعز نصرك، وأعلا أمرك. فما رد عليهم جوابا حتى دخل المدينة، فقصد المسجد وعلا المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد! فانى والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم من ذلك، ولكنى خاستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبى قحافة فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه، وأردتها على عمل ابن الخطاب فكانت أشد نفورا وأعظم هربا من ذلك، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت على وأين مثل هؤلاء؟ ومن يقدر على أعمالهم؟ هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم؟ رحمة الله ورضوانه عليهم، غير أنى سلكت بها طريقا لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك. ولكل فيه مواكلة حسنة، ومشاربة جميلة، ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة، فان لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذنى، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا منى ببعضه، فإنها بقائبة قوبها، وإن السيل إذا جاء يبري، وإن قل أغنى، وإياكم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستيصال، أستغفر الله لي ولكم، أستغفر الله. ثم نزل. - قال أهل اللغة: القائبة البيضة، والقوب الفرخ، قابت البيضة تقوب إذا انفلقت عن الفرخ -.

والظاهر أن هذه الخطبة كانت عام حج في سنة أربع وأربعين، أو في سنة خمسين، لا في عام الجماعة.

وقال الليث: حدثني علوان بن صالح بن كيسان أن معاوية قدم المدينة أول حجة حجها بعد اجتماع الناس عليه، فلقيه الحسن والحسين ورجال من قريش، فتوجه إلى دار عثمان بن عفان، فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها، فقال معاوية لمن معه: انصرفوا إلى منازلكم فان لي حاجة في هذه الدار، فانصرفوا ودخل فسكن عائشة بنت عثمان، وأمرها بالكف وقال لها: يا بنت أخى إن الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا، فان أعطيناهم غير ما اشتروا منا شحوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم، ومع كل إنسان منهم شيعته، وهو يرى مكان شيعته، فان نكثناهم نكثوا بنا، ثم لا ندري أتكون

<<  <  ج: ص:  >  >>