للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما يبايعوا أحدا إلى الآن، وأنهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدموك عليهم، فعند ذلك بعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبى طالب إلى العراق، ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فان كان متحتما وأمرا حازماً محكما بعث إليه ليركب في أهله وذويه، ويأتى الكوفة ليظفر بمن يعاديه، وكتب معه كتابا إلى أهل العراق بذلك، فلما سار مسلم من مكة اجتاز بالمدينة فأخذ منها دليلين فسارا به على براري مهجورة المسالك، فكان أحد الدليلين منهما أول هالك، وذلك من شدة العطش، وقد أضلوا الطريق فهلك الدليل الواحد بمكان يقال له المضيق، من بطن خبيت، فتطير به مسلم بن عقيل، فتلبث مسلم على ما هنالك ومات الدليل الآخر فكتب إلى الحسين يستشيره في أمره، فكتب إليه يعزم عليه أن يدخل العراق، وأن يجتمع بأهل الكوفة ليستعلم أمرهم ويستخبر خبرهم.

فلما دخل الكوفة نزل على رجل يقال له مسلم بن عوسجة الأسدي، وقيل نزل في دار المختار ابن أبى عبيد الثقفي فالله أعلم. فتسامع أهل الكوفة بقدومه فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمهدت له البيعة والأمور، فتجهز الحسين من مكة قاصدا الكوفة كما سنذكره. وانتشر خبرهم حتى بلغ أمير الكوفة النعمان بن بشير خبّره رجل بذلك، فجعل يضرب عن ذلك صفحاً ولا يعبأ به، ولكنه خطب الناس ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة، وقال: إني لا أقاتل من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب عليّ، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله الّذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته. فقام إليه رجل يقال له عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرميّ فقال له: إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة، وإن الّذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين.

فقال له النعمان: لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلى من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله. ثم نزل فكتب ذلك الرجل إلى يزيد يعلمه بذلك، وكتب إلى يزيد عمارة ابن عقبة وعمرو بن سعد بن أبى وقاص، فبعث يزيد فعزل النعمان عن الكوفة وضمها إلى عبيد الله ابن زياد مع البصرة، وذلك بإشارة سرجون مولى يزيد بن معاوية، وكان يزيد يستشيره، فقال سرجون: أكنت قابلا من معاوية ما أشار به لو كان حيا؟ قال: نعم! قال: فاقبل منى فإنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد، فوله إياها. وكان يزيد يبغض عبيد الله بن زياد، وكان يريد أن يعزله عن البصرة، فولاه البصرة والكوفة معا لما يريده الله به وبغيره.

ثم كتب يزيد إلى ابن زياد: إذا قدمت الكوفة فاطلب مسلم بن عقيل فان قدرت عليه فأقتله أو انفه، وبعث الكتاب مع العهد مع مسلم بن عمرو الباهلي، فسار ابن زياد من البصرة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>