للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يعطيكماها أحد قبلي ولا بعدي، فقال الحسين: والله لن تعطى أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا. ولما توفى الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، وقد كان في الجيش الذين غزوا القسطنطينية مع ابن معاوية يزيد، في سنة إحدى وخمسين. ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر وابن عمر وابن عباس، ثم مات ابن أبى بكر وهو مصمم على ذلك، فلما مات معاوية سنة ستين وبويع ليزيد، بايع ابن عمر وابن عباس، وصمم على المخالفة الحسين وابن الزبير، وخرجا من المدينة فارين إلى مكة فأقاما بها، فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد، وأما ابن الزبير فإنه لزم مصلاه عند الكعبة، وجعل يتردد في غبون ذلك إلى الحسين في جملة الناس، ولا يمكنه أن يتحرك بشيء مما في نفسه مع وجود الحسين، لما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إياه عليه، غير أنه قد تعينت السرايا والبعوث إلى مكة بسببه، ولكن أظفره الله بهم كما تقدم ذلك آنفا، فانقشعت السرايا عن مكة مفلولين وانتصر عبد الله بن الزبير على من أراد هلاكه من اليزيديين، وضرب أخاه عمراً وسجنه واقتص منه وأهانه، وعظم شأن ابن الزبير عند ذلك ببلاد الحجاز، واشتهر أمره وبعد صيته، ومع هذا كله ليس هو معظماً عند الناس مثل الحسين، بل الناس إنما ميلهم إلى الحسين لانه السيد الكبير، وابن بنت رسول الله ، فليس على وجه الأرض يومئذ أحد يساميه ولا يساويه، ولكن الدولة اليزيدية كانت كلها تناوئه.

وقد كثر ورود الكتب عليه من بلاد العراق يدعونه إليهم - وذلك حين بلغهم موت معاوية وولاية يزيد، ومصير الحسين إلى مكة فراراً من بيعة يزيد - فكان أول من قدم عليه عبد الله بن سبع الهمدانيّ، وعبد الله بن وال، معهما كتاب فيه السلام والتهنئة بموت معاوية، فقدما على الحسين لعشر مضين من رمضان من هذه السنة، ثم بعثوا بعدهما نفرا منهم قيس بن مسهر الصدائى، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكواء الأرحبي، وعمارة بن عبد الله السلولي، ومعهم نحو من مائة وخمسين كتابا إلى الحسين، ثم بعثوا هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ومعهما كتاب فيه الاستعجال في السير إليهم، وكتب إليه شيث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث ابن رويم، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر بن يحيى التميمي: أما بعد فقد اخضرت الجنان وأينعت الثمار ولطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة والسلام عليك. فاجتمعت الرسل كلها بكتبها عند الحسين، وجعلوا يستحثونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضا عن يزيد بن معاوية، ويذكرون في كتبهم أنهم فرحوا بموت معاوية، وينالون منه ويتكلمون في دولته، وأنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>