من العمرة فقال لهما ابن عمر: أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظرا فان اجتمع الناس عليه فلم تشدا، وإن افترقوا عليه كان الّذي تريدان. وقال ابن عمر للحسين:
لا تخرج فان رسول الله ﷺ خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها - يعنى الدنيا - واعتنقه وبكى وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بن على بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، فرأى من الفتنة وخذلان الناس لهما ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فان الجماعة خير.
وقال له ابن عباس: وأين تريد يا ابن فاطمة؟ فقال: العراق وشيعتي، فقال: إني لكاره لوجهك هذا تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملالة لهم؟ أذكرك الله أن تغرر بنفسك.
وقال أبو سعيد الخدريّ: غلبني الحسين على الخروج، وقلت له: اتّق الله في نفسك والزم بيتك ولا تخرج على إمامك.
وقال أبو واقد الليثي: بلغني خروج الحسين بن على فأدركته بملل فناشدته الله أن لا يخرج فإنه يخرج في غير وجه خروج، إنما خرج يقتل نفسه، فقال: لا أرجع. وقال جابر بن عبد الله: كلمت حسينا فقلت: اتّق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فو الله ما حمدتم ما صنعتم فعصاني. وقال سعيد بن المسيب: لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له. وقال أبو سلمة ابن عبد الرحمن: وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم، ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير. وكتب إليه المسور بن مخرمة: إياك أن تغتر بكتب أهل العراق وبقول ابن الزبير: الحق بهم فإنهم ناصروك. وقال له ابن عباس: لا تبرح الحرم فإنهم إن كانت بهم إليك حاجة فسيضربون إليك آباط الإبل حتى يوافوك فتخرج في قوة وعدة. فجزاه خيرا وقال: أستخير الله في ذلك.
وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنه إن لم يفعل إنما يساق إلى مصرعه. وتقول: أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يقتل الحسين بأرض بابل» فلما قرأ كتابها قال: فلا بد لي إذا من مصرعي ومضى.
وأتاه بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له: يا ابن عم قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره، فأذكرك الله في نفسك.
فقال: جزاك الله يا ابن عم خيرا، مهما يقضى الله من أمر يكن. فقال أبو بكر: ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ،﴾ نحتسب أبا عبد الله عند الله. وكتب إليه عبد الله بن جعفر كتابا يحذره أهل العراق ويناشده الله إن شخص إليهم.
فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا، ورأيت رسول الله ﷺ أمرنى بأمر وأنا ماض له، ولست بمخبر بها أحدا حتى ألاقى عملي. وكتب إليه عمرو بن سعيد بن